إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فاغتَنِمْها
يُحْكَى – وَاللهُ أَعْلَمُ – أَنَّهُ كَانَ فِي سَالِفِ الزَّمَانِ، عَلَى ضِفَافِ بَحْرٍ لا يَنْفَدُ خَيْرُهُ، صَيَّادٌ يُعْرَفُ بِجِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ، يَصِيدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَمَكَةً وَاحِدَةً تَكْفِيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ قُوتَ يَوْمِهِمْ، ثُمَّ يَسْتَرِيحُ حَتَّى تَحِينَ حَاجَتُهُمْ إِلَى أُخْرَى. وَذَاتَ يَوْمٍ، وَبَيْنَمَا كَانَتْ زَوْجَةُ الصَّيَّادِ تَقْطَعُ مَا جَادَ بِهِ البَحْرُ عَلَيْهِمْ، إِذَا بِهَا تَقِفُ مَشْدُوهَةً أَمَامَ أَمْرٍ عَجِيبٍ، إِذْ وَجَدَتْ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ لُؤْلُؤَةً نَفِيسَةً تَلْمَعُ بِبَرِيقٍ لا تُخْطِئُهُ العَيْنُ.
صَرَخَتْ
وَهِيَ تَدْعُو زَوْجَهَا:
"يَا
زَوْجِي، يَا صَاحِبَ الصَّيْدِ وَالمَكْسَبِ، تَعَالَ وَانْظُرْ! لَقَدْ
أَخْرَجَتِ السَّمَكَةُ لَنَا كَنْزًا عَظِيمًا."
نَظَرَ
الصَّيَّادُ إِلَى اللُّؤْلُؤَةِ مَبْهُورًا وَقَالَ: "سُبْحَانَ مَنْ
يَرْزُقُ بِغَيْرِ حِسَابٍ! لا شَكَّ أَنَّ لِهَذِهِ الجَوْهَرَةِ قَدْرًا
كَبِيرًا."
حَمَلَ
الصَّيَّادُ اللُّؤْلُؤَةَ وَتَوَجَّهَ إِلَى جَارِهِ التَّاجِرِ الَّذِي
اشْتَهَرَ بِبَيْعِ الجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ. وَلَمَّا عَرَضَهَا عَلَيْهِ،
حَدَّقَ التَّاجِرُ فِي اللُّؤْلُؤَةِ طَوِيلًا وَقَالَ:
"يَا صَاحِبِي، إِنَّ مَا جَلَبْتَهُ
إِلَيَّ لا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، لَكِنَّنِي لَسْتُ أَهْلًا لِتَقْدِيرِهِ.
اِذْهَبْ بِهَا إِلَى شَيْخِ التُّجَّارِ فِي المَدِينَةِ المُجَاوِرَةِ؛
لَعَلَّهُ يَعْرِفُ قِيمَتَهَا."
اِمْتَثَلَ
الصَّيَّادُ لِلنَّصِيحَةِ وَشَدَّ الرِّحَالَ إِلَى المَدِينَةِ. وَلَمَّا وَقَفَ
أَمَامَ شَيْخِ التُّجَّارِ وَعَرَضَ عَلَيْهِ الجَوْهَرَةَ، أَجَابَهُ الشَّيْخُ
قَائِلًا:
"يَا أَخِي، حَقًّا مَا
مَعَكَ لا يُثَمَّنُ، لَكِنِّي أَعْرِفُ مَنْ يَسْتَطِيعُ شِرَاءَهَا، اِذْهَبْ
إِلَى وَالِي المَدِينَةِ، فَهُوَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى اِقْتِنَاءِ مِثْلِ
هَذَا النَّفِيسِ."
اِتَّجَهَ
الصَّيَّادُ إِلَى قَصْرِ الوَالِي حَامِلًا كَنْزَهُ الثَّمِينَ، وَلَمَّا
عُرِضَتِ اللُّؤْلُؤَةُ عَلَى الوَالِي، اِمْتَلَأَ وَجْهُهُ إِعْجَابًا وَقَالَ:
"هَذِهِ هِيَ
الجَوْهَرَةُ الَّتِي طَالَمَا حَلِمْتُ بِهَا! لَكِنْ كَيْفَ أُقَدِّرُ لَكَ
ثَمَنَهَا؟ سَأَعْرِضُ عَلَيْكَ عَرْضًا لا يُرَدُّ. خُذْ مِفْتَاحَ خَزَانَتِي
الخَاصَّةِ وَادْخُلْهَا سِتَّ سَاعَاتٍ، خُذْ مِنْهَا مَا شِئْتَ مِنَ الذَّهَبِ
وَالجَوَاهِرِ، فَهَذَا هُوَ ثَمَنُ اللُّؤْلُؤَةِ."
تَرَدَّدَ
الصَّيَّادُ لَحْظَةً وَقَالَ: "مَوْلايَ، أَنَا رَجُلٌ بَسِيطٌ، تَكْفِينِي
سَاعَتَانِ."
لَكِنَّ
الوَالِي أَجَابَهُ بِحَزْمٍ: "بَلْ سِتُّ سَاعَاتٍ كَامِلَةٍ، اِغْتَنِمْهَا
فَلَا يُعَادُ الزَّمَنُ!"
دَخَلَ
الصَّيَّادُ الخَزَانَةَ، فَإِذَا هِيَ أَشْبَهُ بِعَالَمٍ مِنَ الأَحْلَامِ،
غُرَفٌ وَاسِعَةٌ مُزْدَانَةٌ بِثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لِلْجَوَاهِرِ وَالذَّهَبِ
وَاللَّآلِئِ، قِسْمٌ فِيهِ طَعَامٌ وَشَرَابٌ لا يَخْطُرُ عَلَى بَالٍ، وَقِسْمٌ
ثَالِثٌ فِيهِ فِرَاشٌ وَثِيرٌ كَأَنَّهُ مِنْ نَعِيمِ الجِنَانِ. نَظَرَ
الصَّيَّادُ إِلَى مَا حَوْلَهُ وَقَالَ:
"يَا لَسَعَةِ الوَقْتِ!
سِتُّ سَاعَاتٍ كَافِيَةٌ لِي لِأَجْمَعَ الذَّهَبَ وَأَعُودَ غَنِيًّا إِلَى
الأَبَدِ. لَكِنْ... لَنْ
أَبْدَأَ الآنَ. سَأَسْتَزِيدُ أَوَّلًا بِالطَّعَامِ لِأَمْلَأَ بَطْنِي
وَأَقْوَى عَلَى العَمَلِ."
ذَهَبَ
إِلَى قِسْمِ الطَّعَامِ وَقَضَى فِيهِ سَاعَتَيْنِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى
اِمْتَلَأَتْ مَعِدَتُهُ. ثُمَّ قَالَ:
"الآنَ
شَبِعْتُ، وَلَنْ أُضَيِّعَ الفُرْصَةَ! لَكِنْ، لِمَاذَا لَا أَسْتَرِيحُ
قَلِيلًا عَلَى هَذَا الفِرَاشِ النَّاعِمِ؟ نَوْمٌ قَصِيرٌ يُرِيحُنِي وَيَزِيدُ
طَاقَتِي."
تَوَجَّهَ
إِلَى الفِرَاشِ وَاسْتَلْقَى عَلَيْهِ، وَمَا إِنْ لَامَسَ جَسَدُهُ الفِرَاشَ
حَتَّى غَطَّ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ. وَمَضَتِ السَّاعَاتُ كَحُلْمٍ خَفِيفٍ حَتَّى
سَمِعَ صَوْتًا يَصِيحُ بِهِ:
"قُمْ
أَيُّهَا الغَافِلُ! اِنْتَهَتْ مُهْلَةُ السَّاعَاتِ السِّتِّ!"
فَزِعَ
الصَّيَّادُ وَهُوَ يَقُولُ: "مَاذَا؟! اِنْتَهَى الوَقْتُ؟! لَمْ آخُذْ
شَيْئًا مِنَ الجَوَاهِرِ!"
فَأَجَابَهُ
الصَّوْتُ: "أَمْضَيْتَ وَقْتَكَ فِي الأَكْلِ وَالنَّوْمِ، وَلَمْ تُفَكِّرْ
فِي اِسْتِثْمَارِ الفُرْصَةِ. أَمَا كَانَ لَكَ أَنْ تَجْمَعَ مِنَ الجَوَاهِرِ
مَا يُغْنِيكَ عَنْ حَاجَتِكَ؟ الآنَ فَاتَ الأَوَانُ، اُخْرُجْ وَلا تَلُمْ
إِلَّا نَفْسَكَ!"
خَرَجَ
الصَّيَّادُ وَهُوَ يَنْدُبُ حَظَّهُ وَيَقُولُ فِي حَسْرَةٍ:
"آهٍ مِنْ غَفْلَتِي!
أَضَعْتُ الكَنْزَ العَظِيمَ لأَجْلِ شَهْوَةٍ عَابِرَةٍ وَنَوْمٍ زَائِلٍ. يَا
لَيْتَنِي كُنْتُ مِنَ المُسْتَيْقِظِينَ!"
وَهَكَذَا،
كَانَتْ عَاقِبَةُ الصَّيَّادِ دَرْسًا لِكُلِّ مَنْ يَغْفُلُ عَنْ اِسْتِثْمَارِ
مَا وَهَبَتْهُ لَهُ الحَيَاةُ، فَيَقْضِي عُمْرَهُ يُلاحِقُ المُتَعَ
الزَّائِلَةَ وَيَتْرُكُ الجَوَاهِرَ الَّتِي لَا تُعَوَّضُ.
قصة للأطفال: الثعبان والنمر والقرد
قصة وحكمة: حصان الحرب والطحان الحكيم
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق