الفُضُولُ بلا شَجاعَةٍ مَهْلَكَة.
في غابَةٍ كَثيفَةٍ، واسِعَةِ الأَرجاءِ، عَميقَةِ الأَغوارِ، حَيْثُ الأَشْجارُ مُتَشابِكَةُ الأَغْصانِ، وَالدُّروبُ مُتَعَرِّجَةُ المَسارِ، كانَ هُناكَ صَيّادٌ يُطارِدُ أَحْلامَهُ بِالبَحْثِ عَنِ الأَسَدِ، سَيِّدِ الغابَةِ وَسُلطانِ الوُحوشِ.
لَمْ
يَكُنْ هَذا الصَّيّادُ بَطَلًا مُغْوارًا، بَلْ كانَ قَلْبُهُ مُرْتَجِفًا
كَرِيشَةٍ في مَهَبِّ الرِّيحِ، وَمَعَ ذلِكَ، حَمَلَهُ فُضولُهُ اللّاهِثُ
وَحَماسُهُ الجامِحُ لِيَخوضَ غِمارَ المَجْهولِ. خُطواتُهُ عَلى الأَرْضِ كانَتْ
حَذِرَةً كَخُطُواتِ اللِّصِّ، وَقَلْبُهُ يَخْفِقُ كَطُبولِ حَرْبٍ عَلى وَشْكِ
الاشْتِعالِ.
وَفي
خِضَمِّ الغابَةِ الكَثيفَةِ، وَبَيْنَ ظِلالِ الأَشْجارِ الوارِفَةِ، اِلْتَقى
بِحَطّابٍ مَفْتولِ العَضُلاتِ، مَشْدودِ السّاعِدَيْنِ، مُنْهَمِكٍ في قَطْعِ
أَشْجارِ البَلّوطِ الكَبيرَةِ، كَأَنَّهُ أَسَدٌ في عَرينِهِ. كانَ الفَأْسُ
يَتَهادَى بَيْنَ يَدَيْهِ كَرِيشَةٍ رَغْمَ ثِقَلِهِ، وَكَأَنَّهُ يُطَوِّعُ
الحَديدَ بِإرادَتِهِ الصُّلْبَةِ. اِقْتَرَبَ الصَّيّادُ مِنَ الحَطّابِ، وَقَدِ
اشْتَعَلَ في صَدْرِهِ أَمَلُ العُثورِ عَلى ما يَرْوي ظَمَأَ تَساؤُلاتِهِ.
قالَ
الصَّيّادُ، وَفي صَوْتِهِ رَجْعُ الخَوْفِ المَكْبوتِ: "أَيُّها الحَطّابُ
النَّبيلُ، هَلْ مَرَّ عَلى عَيْنَيْكَ أَثَرُ الأَسَدِ؟ أَتَعْلَمُ أَيْنَ يُقيمُ
مَلِكُ الغابَةِ عَرينَهُ؟"
رَفَعَ
الحَطّابُ رَأْسَهُ، وَمَسَحَ جَبِينَهُ المُبَلَّلَ بِخِرْقَةٍ خَشِنَةٍ، ثُمَّ
رَمَقَهُ بِنَظْرَةٍ ماكِرَةٍ، يَتَلَأْلَأُ فيها بَريقُ الحِكْمَةِ. قالَ
بِصَوْتٍ عَميقٍ كَدَوِيِّ الرُّعودِ: "أَيُّها الصَّيّادُ، أَسْتَطيعُ أَنْ
أَفْعَلَ لَكَ أَعْظَمَ مِنْ هذا، وَأَقودَكَ إِلى المَلِكِ بِعَيْنِهِ، لِتَرى
الأَسَدَ ماثِلًا أَمامَكَ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ آثارٍ خَفِيَّةٍ."
عِنْدَ
هذِهِ الكَلِماتِ، شَحَبَ لَوْنُ الصَّيّادِ، وَتَبَدَّدَتْ شَجاعَتُهُ
المُزَيَّفَةُ كَغُبارٍ هَبَّتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ. أَصْبَحَتْ رُكْبَتاهُ
كَعُودَيْ خِيزُرانٍ يَتَراقَصانِ في مَهَبِّ الرِّياحِ، وَبَدَأَتْ أَسْنانُهُ
تَطْرُقُ بَعْضَها بَعْضًا كَالمَرازِبِ في حَدّادٍ مَذْعورٍ. هَتَفَ
مُسْتَعْجِلًا، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الِاضْطِرابُ: "لا، لا يا سَيِّدي! ما
كُنْتُ أَبْتَغي رُؤْيَةَ الأَسَدِ نَفْسِهِ، بَلْ أَرَدْتُ فَقَطْ أَنْ أَرى
آثارَهُ مِنْ بَعيدٍ!"
وَما
كادَ يُنْهي كَلامَهُ حَتّى وَلّى الأَدْبارَ، يُخَلِّفُ وَراءَهُ هَمْهَمَةَ
الرِّيحِ وَضِحْكَةَ الحَطّابِ المُجَلْجِلَةَ. عادَ الصَّيّادُ مِنْ حَيْثُ أَتى،
تارِكًا الحَطّابَ لِفَأْسِهِ، وَالأَسَدَ لِعَرينِهِ، وَالغابَةَ لِأَسْرارِها.
في
تِلْكَ اللَّحْظَةِ، أَيْقَنَ الصَّيّادُ أَنَّ البَحْثَ عَنِ المَعْرِفَةِ قَدْ
يَفْتَحُ بابًا لِلْمَهالِكِ، وَأَنَّ مَنْ يُشْعِلُ في صَدْرِهِ جَذْوَةَ
الفُضولِ، عَلَيْهِ أَنْ يَمْلِكَ بَيْنَ أَضْلاعِهِ نارَ الشَّجاعَةِ.
قصة وحكمة: الصياد والغفلة.. الجوهرة الضائعة
قصة وحكمة: طبيب القمر.. التأثيرعلى الأرواح قبل الأجساد
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق