ولدت السيدة (لالوري)
LaLaurie
في عائلة مشهورة وغنية، ولكن سرعان ما عُرفت بامرأة (نيو
أورلينز) البربرية والهمجية، ففي عام 1834
شب حريق في قصر في شارع 1140
في الحي الفرنسي في (نيو أورلينز) في الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل الجيران
يهرعون مسرعين محاولين إطفاء هذا الحريق ومساعدة سكان هذا المنزل للخروج منه بسلام
وأمان.
لكنهم لاحظوا عند وصولهم لهذا المكان أن التي تسكن هذا
القصر هي امرأة وحيدة، فكان قصر من دون عبيد في تلك الفترة أمراً غريباً وغير متعارف
عليه، مما دعا هؤلاء الجيران لتفتيش كل أنحاء المنزل باحثين عمن يمكنهم إنقاذه من ألسنة
اللهب المشتعلة.
ما
وجده هؤلاء الجيران كان ليغير نظرة المجتمع المحيط بالسيدة (ماري ديلفين لالوري)، لأنها
كانت تُعتبر سيدة من سيدات المجتمع الراقي، وفعلاً غَيَّرَ هذا الأمر سمعتها لتصبح
معروفة باسم (سيدة نيو أورليانز المتوحشة).
غيرت
الشائعات المتداولة عبر السنين من أحداث القصة الحقيقية، ولكن لا تزال هناك بعض الحقائق
التي لم تُحرّف إلى يومنا هذا.
وجدت
مجموعة من السكان المحليين عبيداً في العليّة، وثانياً وُجِد على أجساد هؤلاء العبيد
آثار تعذيب ووحشية غير مبررة ولا إنسانية.
وصلت
تقارير غير مؤكدة من طرف شهود عيان ادّعوا فيها أن العلية كانت تحتوي على سبعة عبيد
معذبين ومضروبين ومعنّفين، مع أجساد مليئة بالكدمات وآثار الدم الجاف منتشرة في كل
مكان على بشراتهم، كانوا على شفا حفرة من الموت، عيونهم مُقتلعة، وجلودهم مسلوخة، وأفواههم
مليئة بالسوائل المخاطية المقززة.
هناك
إفادة أُخرى مُحَيِّرة، قيل فيها أنه وفي تلك العليّة كان هناك سيدة كُسرت عظامها ورُدّت
بشكل غير صحيح، مما أدى لتشكل زوائد عظمية ذات منظر بشع جداً، وامرأة أخرى رُبطت وقُيدت
بأمعاء بشرية، ادعى الشاهد أيضاً وجود حفرتين في جمجمتي السيدتين، وبجانبهما ملاعق
خشبية كانت تستخدمها السيدة (لالوري) لتحريك أدمغة الضحيتين.
هناك
شائعات أخرى تَدَّعي وجود جثث مشوهة إلى أبعد حد في تلك العلية لدرجة أن أهاليهم لن
يستطيعوا التعرف على هوية أصحابها، حيث أُخرجت أحشاؤهم كلياً، ووُضعت بجانب الجثث.
يقول
البعض أن عدد الجثث كان بسيطاً، وبعضهم يقول بأنهم تجاوزوا المئة جثة، وفي كلتا الحالتين
لطَّخت هذه الأمور سُمعة السيدة (لالوري) لتجعل منها أكثر امرأة وحشية على مر التاريخ.
على
كل حال، لم تكن السيدة (لالوري) ساديّة في كل الأوقات.
وُلدت
السيدة (ماري ديلفين مكارتي) في (نيو أورلينز) عام 1787
في عائلة (كريول) الغنية من "العرق الأبيض"، وهي من الجيل الثاني لهذه العائلة،
حيث انتقلت عائلتها من إيرلندا إلى (لويزيانا) التي كانت تابعةً لإسبانيا وقتها، وأتى
الجيل الأول في تلك المنطقة ثم انتقلت ملكيتها لأمريكا لتولد هناك سيدتنا ”المتوحشة“.
تزوجت
ثلاث مرات ورُزقت بخمسة أولاد، قيل بأنها كانت تعاملهم معاملة حسنة كلها مودة، وكان
زوجها الأول إسبانياً يُدعى (دون رامون دي لوبيز أنغولو) من عائلة (دي كارلوس) الملكية،
وهو ضابط رفيع المستوى، رُزقت السيدة (لالوري) منه بفتاة واحدة قبل موته المفاجئ في
(هافانا) بينما كان في طريقه نحو (مدريد).
بعد
وفاة (دون رامون)، تزوجت (ديلفين) مرة ثانية من رجل فرنسي يُدعى (جان بلانك) الذي كان
مصرفياً ورجل قانون ومشرعاً أيضاً، وكان ذا مكانة كبيرة في المجتمع كمكانة عائلة (لالوري)،
وأنجبا سويةً أربعة أطفال: ثلاثة فتيات وولد واحد.
بعد
وفاته تزوجت السيدة للمرة الثالثة والأخيرة طبيباً يصغرها سنا يدعى (ليونارد لويس نيكولاس
لالوري)، لم يكن معها في جميع الأوقات بل كان يتنقل من مكان لآخر تاركاً زوجته مع أدواتها
القاتلة الخاصة.
في
عام 1831،
اشترت السيدة (لالوري) قصرا من ثلاثة طوابق في شارع 1140
في الشارع الملكي للحي الفرنسي في (نيو أورلينز)، وكما فعلت العديد من نساء المجتمع
في تلك الفترة الزمنية، احتفظت السيدة (لالوري) ببعض العبيد، صُدم سكان البلدة بمدى
لطف تعامل هذه السيدة مع عبيدها لأنها كانت تظهر أثناء تعاملها معهم أمام العامة لطفاً
ومودةً واحتراماً، حتى أنها أعتقت اثنين منهم في عامي 1819
و1832، ومع ذلك سرعان ما انتشرت
إشاعات تقول بأن السيدة (لالوري) تمثّل أمام العامة فقط، وأنها ليست هكذا مع عبيدها
في بيتها.
اتضح
بأن هذه الشائعات كانت حقائقاً. فعلى الرغم من وجود قانون في (نيو أورلينز) يمنع معاملة
العبيد بطريقة وحشية ويحميهم (لم يكن لهذا القانون وجود في بقية الولايات الجنوبية
الأمريكية)، اتضح بأن هذه السيدة كانت بعيدة كل البعد عن التقيد بمثل هذا القانون.
كان
هناك شائعات تقول بأن هذه السيدة قامت بتقييد طباخها الذي يبلغ من العمر 70
عاماً جائعاً بجانب الموقد لتلسعه ألسنة اللهب، وتقول شائعات أخرى بأنها كانت تستخدم
بعضاً من عبيدها لكي يختبر عليهم زوجها طقوس (هيتان فودو)
Haitian
Vodou الطبية (طقوس تجمع الدين
والسحر والطب سويةً كان يُعتقد بأنها تشفي المرضى في تلك الفترة)، حتى أن بناتها لم
يسلمن منها، فهناك من يقول بأنها كانت قاسية في تعاملها معهن، وكانت تقيدهن في حال
محاولتهن مساعدة أحد العبيد ولو حتى بشربة ماء.
سُجّل
اثنان من التقارير على أنهما صحيحان بالمطلق:
الأول يفيد بأن هناك عبداً قد رمى بنفسه من شباك الطابق الثالث للقصر
محاولاً الهرب من عقاب السيدة (لالوري) المخيف، حيث أنه فضّل الموت على أن يكون فأر
تعذيب لها.
أغلقت
نافذة الطابق الثالث وما زالت مغلقة وواضحة للعيان إلى يومنا هذا.
أما
التقرير الثاني فهو عن فتاة لا تتجاوز الثانية عشر من عمرها اسمها (ليا)، حيث كانت
هذه الفتاة البريئة تمشّط شعر السيدة (لالوري) وشدته بقوة بسيطة تجاهها مما أدخل السيدة
(لالوري) في نوبة غضب دفعتها لإخراج سوطها وجلد هذه الفتاة، وكما فعل العبد الذي ذكرناه
في التقرير الأول صعدت هذه الفتاة إلى السطح وألقت بنفسها بين أذرع الموت.
رأى
شهود عيان (لالوري) وهي تدفن جثة الفتاة، وأُجبرتها الشرطة على دفع 300$
كغرامة، وعلى بيع تسعة من عبيدها، وبالطبع غضّت السلطات بصرها عندما اشترتهم كلهم مرة
ثانية من جديد.
بعد
وفاة (ليا) بدأ السكان المحليون يشككون في أمر (لالوري) أكثر مما كانوا عليه في السابق،
وعندما اندلعت النيران في قصرها كان الناس يعتقدون أنهم سوف يجدون بعضاً من العبيد
في المنزل المحترق، ولكنهم لم يتوقعوا أن يجدوهم بهذا الشكل معذبين ومقطعين.
بعد
إنقاذ العبيد من القصر المحترق وإطفاء النيران، دخل حشد مكون من 4000
شخص وبدأوا بتخريب بيتها وسرقة ممتلكاتها، حتى أن الأبواب لم تسلم منهم من شدة غيظهم
وكرههم لهذه المرأة، حيث حطموا كل شيء ولم يبق في هذا القصر سوى الجدران الخارجية.
لم
يُعرف مكان السيدة (لالوري) بعد الحادثة التي حصلت لقصرها، فهناك بعض الأقوال التي
تدعي أنها هربت مع سائقها إلى (باريس) محاولةً الفرار من الناس ومن الشرطة، ولكن ليس
هناك أي دليل يُظهر وصولها لتلك المدينة، وادعت إحدى بناتها تلقيها لرسالة منها على
الرغم من عدم رؤية أي أحد لهذه الرسالة أبداً.
في
أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، تم العثور على لوحة نحاسية متصدعة قديمة في مقبرة
(سانت لويس) في (نيو أورلينز) تحمل اسم (لالوري، السيدة ديلفين مكارتي) كنية السيدة
قبل الزواج.
تدعي
الكتابات الموجودة على لوحة نحاسية موجودة في فرنسا أن السيدة (لالوري) قد توفيت في
(باريس) في 7 كانون الأول عام 1842،
وعلى كل حال لا يزال الغموض محيطاً بمكان موتها، لأن هناك شواهد قبور أُخرى تدعي وفاتها
عام 1949
في (باريس) أيضاً.
على
الرغم من وجود هذه الشواهد واللوحات النحاسية المكتوبة، يُعتقد بشكل واسع أن السيدة
(لالوري) وصلت فعلاً لـ(باريس)، ولكنها عادت بعد فترة إلى (نيو أورلينز) متنكرة تحت
اسم جديد، ومتابعةً عمليات تعذيبها القاسية والمشينة.
لم
يتم العثور على جسد السيدة (لالوري) إلى يومنا هذا.
إقرأ أيضاً
للمزيد
أيضاً وأيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق