الأربعاء، 6 مايو 2020

• قصة حرب: معركة كوهيما المنسية


خلال الحرب العالمية الثانية وقعت في "كوهيما" شمال شرق الهند واحدة من أكثر المعارك أهمية في الجبهة البورمية، تلك التي أحبطت الغزو الياباني للهند وساعدت في قلب مسار الحرب في الشرق الأقصى...

ومثل معظم المعارك التي وقعت في مسرح جنوب شرق آسيا، لا تزال معركة "كوهيما" غير معروفة للعامة لأن العالم كان مشغولاً للغاية بألمانيا النازية وأوروبا، وقد أبعد نزول الحلفاء في النورماندي أيضاً الضوء عن المعركة التي كانت لا تزال قائمة عندما بدأت عملية الإنزال الشهيرة تلك.
كانت ولايتا (مانيبور) و(ناجالاند) الشماليتين الشرقيتين –اللتين شكلتا آنذاك جزءًا من ولاية (أسام)– تشكلان حدوداً مهمة للحرب العالمية الثانية، فيما كان يعرف بالجبهة البورمية. في الأراضي الوعرة والغابات الكثيفة في المنطقة؛ خاضت القوات الهندية والبريطانية العديد من المعارك الشرسة ضد الجيش الياباني، وقد شهدت واحدة من هذه المعارك –معركة (كوهيما)– هزيمة اليابانيين، وهو الحدث الذي ختم مصير طموحات (طوكيو) التوسعية في جنوب آسيا.
تقع (كوهيما) على قمة جبل (جابو) وتمتد شمالاً وجنوباً تقريباً، عند هذه السلسلة الجبلية كان هناك طريق يربط بين قاعدة الإمدادات البريطانية في (ديمابور) بوادي (نهر براهمابوترا) في الشمال و(إيمفال) في الجنوب، ويمر عبر بلدة (كوهيما)، ومن (إيمفال) يمتد الطريق إلى الجنوب وصولاً لبورما.
كان هذا هو الطريق الذي أراد اليابانيون استحواذه لغزو الهند عن طريق بورما، والهدف من هذه العملية، المعروفة باسم عملية U-Go، هو اختراق تلال (ناغالاند) والوصول إلى مدينة (ديمابور) في السهول، فبمجرد احتلالهم للقواعد العسكرية والاستراتيجية هناك يمكنهم قطع اتصال الحلفاء مع الصين، ومن ثم الشروع في هجوم شامل على الهند البريطانية، وإذا نجحت عملية U-Go فستفتح الهند بأكملها على دول المحور.
بدأ الهجوم على (إيمفال) و(كوهيما) في ربيع عام 1944، عندما عبرت قوة مكونة من فرقتان من الجيش الخامس عشر الياباني بقيادة الجنرال (رينا موتاغوتشي) إلى نهر (تشندوين) وانتقلت نحو (إيمفال)، وتوجهت الفرقة الثالثة بقيادة الجنرال (جاتو ساتو) إلى (كوهيما).
كان البريطانيون يعرفون أن اليابانيين يتجهون نحو البلدة لكنهم فشلوا في تقدير أعدادهم وسرعة تقدمهم، ولم يعتقدوا أنه يمكن لليابانيين عبور الغابات المنيعة حول (كوهيما)، لذلك عندما خرجت القوات التابعة للجنرال (ساتو) البالغ تعدادها 15 ألف جندي من المنطقة الخضراء في 4 أبريل وجدوا 1500 رجل فقط قليلي الخبرة قد رصدوا للدفاع عن البلدة.
قام اليابانيون على الفور بمحاصرة (كوهيما) وبدأوا بدفع القوات البريطانية والهندية من موقعهم فيها، مما اضطرهم للانسحاب إلى منطقة مسيجة صغيرة بعرض ملعب تنس فقط كان موجوداً في حديقة نائب المفوض، وقد باتت القوات المتناحرة قريبة من بعضها لدرجة أن الجنود ألقوا القنابل مباشرة في خنادق بعضهم البعض، ومنعت قذائف الهاون وطلقات القناصة في مثل هذه المساحة الصغيرة المحصورة الرجال من القدرة على ملء حاويات المياه الخاصة بهم حتى، وقد تعرضت مراكز العلاج الطبية المؤقتة للنيران اليابانية، وكثيراً ما أصيب الرجال الجرحى أكثر من مرة أثناء انتظارهم العلاج.
عندما وصل اللواء السادس البريطاني لدعم الحامية الأصلية بعد أسبوعين من القتال، اضطر للتراجع بسبب حالة الوضع الخطرة، وقد علق أحد ضباط اللواء قائلاً: "بدوا كأنهم مسنون، فزاعات ملطخة بالدماء تتساقط من التعب.. الشيء الوحيد الذي كان نظيفاً هو أسلحتهم بينما كانت تفوح منهم رائحة الدم والعرق".
بعد أكثر من شهر من القتال المتواصل، شقّ البريطانيون مساراً إلى قمة تقع فوق ملعب التنس، وجعلوا دبابة تتمركز أعلى المنحدر وبدأوا بقصف المخابئ اليابانية من على مسافة لا تزيد عن 18 متر، بعد أن تم تطهير ساحة المعركة من العدو تحول ملعب التنس إلى مكان تعج به الفئران، ومليء ببقايا بشرية نصف مدفونة في كل مكان.
كتب المؤرخان الأمريكيان (آلان ميليت) و(ويليامسون موراي): "لم يحارب، في أي مكان في الحرب العالمية الثانية -حتى على الجبهة الشرقية- كما فعل المقاتلون بوحشية هنالك".
في نهاية المطاف أنهك اليابانيون بدون دعم أو إمدادات جوية، وسرعان ما دفعتهم قوات الحلفاء للخروج من (كوهيما).
استمر القتال للاستيلاء على مدينة (إيمفال) لأكثر من أربعة أشهر، من مارس إلى يوليو من عام 1944، بينما استمر في (كوهيما) لثلاثة أشهر، فقد حوالي 55000 جندي ياباني حياتهم في (إيمفال)، و7000 في (كوهيما)، معظمهم من الجوع والمرض والإنهاك، وتكبدت القوات البريطانية خسارة 12500 رجل في (إيمفال)، و4000 رجل في (كوهيما).
كانت الخسائر الهائلة التي عانى منها اليابانيون في معركتي (إيمفال) و(كوهيما) قد أثقلت كاهلهم خلال المرحلة اللاحقة من الحرب مما سمح للحلفاء بالسيطرة على بورما في العام التالي. كانت الهزيمة في (كوهيما) و(إيمفال) أكبر هزيمة معاصرة في التاريخ الياباني.
يقول (روبرت ليمان)، مؤلف كتاب «آخر محاولات اليابان للانتصار: غزو الهند» عام 1944: ”يعتبر اليابانيون أن معركة (إيمفال) هي أكبر هزيمة لهم على الإطلاق.. وقد منحت المعركة الجنود الهنود إيماناً بقدرتهم القتالية وأظهرت لهم أنه يمكنهم أن يقاتلوا بشكل جيد وربما أفضل من أي أحد آخر“.
في عام 2013 صوَّت متحف الجيش الوطني في لندن على أن معركة (كوهيما) و(إيمفال) "أعظم معركة في بريطانيا"، وتتفوق على إنزال النورماندي ومعركة (واترلو)، حيث كان القتال شديداً لدرجة أن معركة (كوهيما) صار يُشار إليها غالباً باسم "ستالينغراد الشرق".
تحوي مقبرة الحرب في (كوهيما) اليوم أكثر من 1400 قبر يعود إلى جنود الحلفاء الذين لقوا حتفهم في معركة (كوهيما)، وتقع هذه المقبرة على منحدرات (جاريسون هيل)، حيث كان في السابق ملعب تنس نائب المفوض، وهناك يظهر حجر كبير أقيم لذكرى الفرقة البريطانية الثانية يحمل نقشاً على وجهه يقول:
عندما تعودون للوطن، أخبروهم عنا وقولوا، لغدكم، قدمنا حاضرنا.
وهي عبارة من كتابة الشاعر الإنجليزي (جون ماكسويل إدموندز)، الذي استلهمها من مرثية سابقة كتبها الشاعر اليوناني (سيمونيدس) لتكريم الأسبرطيين الذين سقطوا في معركة (تيرموبايلي) في عام 480 قبل الميلاد، ومنذ ذلك الحين تم استخدام ما صار يسمى "مرثية كوهيما" ليوضع على العديد من النصب التذكارية للمحاربين القدامى في جميع أنحاء العالم.

المصادر: 1، 2
إقرأ أيضاً
للمزيد              
أيضاً وأيضاً







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق