الأربعاء، 4 يونيو 2025

قصة وعبرة: فُرصة نادرة

فُرصة

يُحكى – والله أعلم – أنه في قديم الزمان، وفي مملكةٍ بعيدةٍ وراء الجبال والأنهار، عاش شاب فقير الحال، ضعيف الحيلة، لا يملك من الدنيا إلا قوته وسعيه. كل يومٍ كان يخرج مع شروق الشمس، يطوف في الأسواق والطرقات، يبحث عن عملٍ يسد به رمقه، ويعود آخر النهار إلى بيته المتواضع، فيأكل ما تيسّر، ثم يغفو حتى يحين صباحٌ جديد.

وذات يومٍ من أيام الله، خرج الشاب كعادته يبحث عن رزقه، فلم يجد عملاً يُطعم به نفسه. رجع إلى داره مهمومًا، يتأمل في الأرض، وقلبه مثقل بالحزن. وبينما هو يسير في طريقه، إذ سمع صوتًا ينادي من خلفه:

– "ألا من يساعدني؟"

فالتفت الشاب، فرأى شيخًا طاعنًا في السن، يحمل ثلاث حقائب ثقيلة، يئنّ من ثقلها ويكاد ظهره ينكسر.

قال الشاب: "أنا أساعدك، يا عمّ."

أجابه الشيخ: "جزاك الله خيرًا، يا بني. أريد الذهاب إلى القرية المجاورة، وهي بعيدة. أستطيع أن أحمل حقيبتين، لكن الثالثة أثقل من أن أقدر عليها. إن حملتها عني، أعطيتك ثلاث قطع من الذهب."

فرح الشاب، وحمل الحقيبة الثالثة، وما إن رفعها حتى قال:

– "يا إلهي! إنها ثقيلة جدًا!"

فهمس الشيخ قائلاً: "نعم، ففيها نقود من النحاس."

ومضيا معًا في الطريق، والشاب يحمل الحقيبة على كتفه والشيخ يتبعه، لكن الشاب شعر أن الشيخ يرمقه بعين الشك والحذر، فقال في نفسه:

– "يبدو أنه يظن أني قد أهرب بالحقيبة... لكنني لست بسارق. أنا رجل شريف، لا أطلب إلا رزقي الحلال."

ولما بلغوا ضفة نهر، خاض الشاب الماء وعبر إلى الجهة الأخرى، بينما الشيخ وقف عاجزًا وقال:

– "يا ولدي، لقد كبرت وعجزت، ولا أقوى على عبور النهر. احمل عني الحقيبة الثانية، وسأعطيك ثلاث قطع ذهبية أخرى."

وافق الشاب، لكن الشيخ تردد وسأله:

– "هل تعدني ألا تهرب بالحقيبة؟ ففيها نقود من الفضة."

فقال الشاب غاضبًا: "وهل أنا لصّ؟ لا تخف، لن أخونك. أعطني الحقيبة."

فأعطاه إياها، وحملها الشاب وعبر بها إلى الضفة الأخرى.

وبعد حين، وصلا إلى تلّ عالٍ. بدأ الشاب بالصعود، لكن الشيخ توقّف عند السفح وقال:

– "لقد كلّني التعب، ولا أستطيع صعود هذا التلّ. هل تحمله عني؟ فيه نقود من الذهب، وإن أخذته دون أن تهرب، فلك ما تشاء."

ثار الشاب وقال: "يا عم، أنا رجل صادق. كنت أعمل كاتبًا عند مُرابٍ ظالم، طلب مني أن أزوّر السجلات وأخدع الناس، لكنني رفضت، وتركته."

تردد الشيخ، ثم قال: "لا أعلم إن كنت صادقًا أم كاذبًا، ولكن خذ الحقيبة، وسأتبعك ببطء."

فحمل الشاب الحقيبة الثالثة، ومضى في طريقه تاركًا الشيخ خلفه. وسرعان ما راودته نفسه:

– "إن هربت الآن، فلن يستطيع اللحاق بي. سأنجو، وسأصير غنيًا. هذا الرجل عجوز، لا حاجة له بكل هذا المال. أما أنا، فشاب، أستحق أن أعيش حياة طيبة، وأتزوج، وأصير من أهل الشأن."

فغلبه طمعه، وركض مسرعًا نحو بيته، والحقيبة الثالثة على ظهره. وحين وصل، أغلق الباب بشغف، وفتح الحقائب الثلاث بشوق ولهفة، فإذا بها مليئة بالحجارة الصغيرة!

دُهش الشاب، وتساقط العرق من جبينه. "لماذا كذب عليّ هذا الشيخ؟!" تمتم في حيرة.

وفي قعر الحقيبة الأخيرة، وجد ورقة مطوية، فتحها وقرأ:

"أنا ملك هذه المملكة. ليس لي ولد يرثني، وقد شخت وكاد الأجل يدنو. خرجت أبحث عن رجل أمين أتبناه، وأجعله ولي عهدي. لو أنك لم تهرب، لكنت الآن ابني ووريث عرشي."

شهق الشاب، وشعر بندمٍ يمزق قلبه. لقد عاش حياته بشرف، لكنه في لحظة واحدة، ترك الطمع يسيطر عليه، فخسر أعظم فرصة في عمره.

جديدنا كتاب:

 100 قصة حب من كل زمان ومكان

  إقرأ أيضاً:

قصة وعبرة: خروف العيد مرتين: جزاء الإحسان

قصة نجاح: كريستيانو رونالدو رحلة من الحرمان إلى المجد

قصة نجاح: توماس إديسون الصبي الذي أنار العالم

قصة مشاهير: نيقولا تسلا.. عبقري غيَّر وجه العالم

قصة مشاهير: توماس إديسون ينصب على نيقولا تسلا

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

جديدنا كتاب:

 100 قصة حب من كل زمان ومكان







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق