الزمن يكشف سرّ الحظ
يُحكى أنه في سالف العصر والأوان، وفي قرية صغيرة وادعة بين جبال الصين العظيمة، عاش فلاحٌ شيخٌ بلغ من الكبر عِتِيّاً. وكانت الحياة في تلك القرية بسيطةً هادئة، وإن لم تخلُ من المشقة والعناء. حكايته عجيبة، مليئة بالعبر والعجائب، تدور بها الأيام كما تدور الرحى، ويمتزج فيها الفرح بالحزن، ويختلط فيها الخير بالشر. إنها قصة تهمس في آذاننا بحكمة عتيقة: "قد لا ندرك الخير من الشر حتى يكشف لنا الزمان أسراره."
كان
ذلك الشيخ الفلاح يعيش وحده في مزرعة صغيرة، يفلح الأرض، ويزرع الزرع، ويعتني
بحيواناته دون كلل ولا ملل. كان محبوبًا في قريته، يعرفه القاصي والداني، ويجلونه
لطيب قلبه ونُبل خصاله. لكنّ الناس كانوا يحزنون لحاله، إذ كان وحيدًا، وابنه
الوحيد بعيد في مدينة عظيمة يتعلّم ويطلب العلم.
وكان
الابن شاباً فَتِيّاً، قويّ البُنية، لا يهاب العمل، غير أنّ البُعد قد فرّق بينه
وبين أبيه. ومع ذلك، ما اشتكى الفلاح يومًا، بل ظلّ صبورًا شاكرًا. وكان الجيران
يزورونه ويقولون له: "متى يعود ولدك؟ الوحدة قاسية، والحياة دون سند مُتعبة."
فما
كان من الشيخ إلا أن يبتسم كل مرة، ويقول في هدوء:
"ومن يدري... أهو حظٌ سعيد أم شؤم بعيد؟"
وذات
صباح، حدث ما لم يكن في الحسبان. عاد الابن إلى القرية! فرحت القلوب، وتهافت
الجيران إلى بيت الفلاح يباركون له ويهتفون: "يا لك من محظوظ! عاد ولدك، قد
آن وقت الراحة!"
لكن
الشيخ لم يُظهر فرحًا مبالغًا، بل اكتفى بابتسامة حكيمة، وقال:
"ومن يدري... أهو حظٌ سعيد أم شؤم بعيد؟"
تعجّب
القوم من قوله، لكنهم عرفوا أنه رجل حكيم، لا يقول كلامًا عبثًا.
وبعد
أيام قلائل، وقع ما غيّر مجرى الأمور. نسي الابن باب الإسطبل مفتوحًا، ففرّ حصانهم
الوحيد إلى الجبال. وكان ذلك الحصان عونًا عظيمًا، يعمل كما يعمل أربعة رجال،
فبدونه اشتدّ العناء.
شعر
الابن بالندم وقال: "ويلي! ماذا فعلت؟ كيف سنعمل الآن؟"
وجاء
الجيران مرة أخرى، يواسون الفلاح قائلين: "يا لها من مصيبة! لقد خسرت حصانك.
هذا حظٌّ سيّئ."
لكن
الشيخ لم يتغيّر وجهه، بل ابتسم وقال:
"ومن يدري... أهو حظٌ سعيد أم شؤم بعيد؟"
وفي
عَشِيّة ذلك اليوم العجيب، عاد الحصان من تلقاء نفسه! ولكن ليس وحده، بل تصاحبه فرسٌ برّيّة، قويّة
البنية، لم يُحكَ عن مثلها في الدهر القديم، ولا في أساطير العارفين.
هتف
القرويون فرحين: "يا للعجب! خَسِرْتَ حصانًا، فعاد إليك اثنان! يا لك من سعيد
الحظ!"
فاكتفى
الشيخ العجوز بنفس الجملة التي باتت على كل لسان:
"ومن يدري... أهو حظٌ سعيد أم شؤم بعيد؟"
فرح
الابن بالفرس الجديدة، وأصرّ أن يُروِّضها، رغم تحذيرات أبيه: "تمهّل يا بني،
فالخيول البرية لا تُروّض بسهولة."
لكن
الشاب ردّ بثقة: "لا تقلق، يا والدي، أعلم ما أفعل."
وفي
اليوم التالي، إذ بالفرس تجمح فجأة، وتطرح الفتى أرضًا، فيكسر ساقه، ويغدو عاجزًا
عن العمل.
عاد
الجيران إلى البيت مرة ثالثة، ونكسوا رؤوسهم حزنًا وقالوا: "عاد ابنك فوقع في
البلاء. ما هذا الحظ العاثر!"
فردّ
الفلاح العجوز، وهو يبتسم:
"ومن يدري... أهو حظٌ سعيد أم شؤم بعيد؟"
وما
هي إلا أسابيع معدودات حتى عمّ البلاد خبرٌ مُريع: نشبت حرب طاحنة بين الشرق
والغرب. فأرسلت الدولة جنودها إلى القرى يجمعون الشباب للمحاربة.
ووصل
الجنود إلى قرية الفلاح، وأخذوا جميع الفتيان الأصحاء، فبكت الأمهات، واهتزت
القلوب خوفًا على مصير الأبناء.
أما
ابن الفلاح، فلم يُؤخذ معهم، لأنه مكسور الساق، لا يقوى على القتال.
وهنا
فقط، بدأ القرويون يفهمون... لقد أنقذت الإصابة ذلك الشاب من أهوال الحرب والموت.
فجاؤوا
إلى الشيخ وقالوا: "لقد كنت على حق! ما ظنناه شؤمًا، كان نعمة!"
فقال
الفلاح مبتسمًا كعادته:
"ومن يدري... أهو حظٌ سعيد أم شؤم بعيد؟"
وهكذا
تدور الدنيا بدورتها، ويُبدي الزمان وجوهه المتعددة. قد يكون في البلاء نعمة، وفي
النعمة بلاء، وما يبدو شرًا اليوم قد يكون خيرًا غدًا. فلا تستعجلوا الحكم على ما
يصيبكم، واذكروا دائمًا حكمة الفلاح العجوز:
"ومن
يدري... أهو حظٌ سعيد أم شؤم بعيد؟"
قصة وعبرة: خروف العيد مرتين: جزاء الإحسان
قصة نجاح: كريستيانو رونالدو رحلة من الحرمان إلى المجد
قصة نجاح: توماس إديسون الصبي الذي أنار العالم
قصة مشاهير: نيقولا تسلا.. عبقري غيَّر وجه العالم
قصة مشاهير: توماس إديسون ينصب على نيقولا تسلا
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق