الخميس، 20 مارس 2025

• قصة وحكمة: الإسكندر الأكبر تحدى إرث أبيه

اصنع مجدك الخاص دائمًا

في صفحات التاريخ، لا يتكرر إلا القليل من الرجال الذين تحدّوا إرث آبائهم ولم يرضوا بظلالهم، بل سعوا لصنع مجدهم الخاص. من بين هؤلاء العظماء، يبرز الإسكندر الأكبر، ذلك الفتى المقدوني الذي رأى في نجاح والده، الملك فيليب، حاجزًا يجب تجاوزه لا إرثًا يجب الحفاظ عليه. كانت علاقته بأبيه علاقة تنافس لا محبة، واستمد من نفوره منه قوةً جعلته يتخطى كل حدود المألوف ليخلّد اسمه في صفحات التاريخ.

منذ نعومة أظافره، كان الإسكندر يحتقر طباع والده، ذلك الملك الذي حكم مقدونيا بدهاء سياسي، لكنه غرق في الملذات والمراوغة. رأى الإسكندر في هذه الصفات ضعفًا لا يليق بملكٍ حقيقي، فقرر أن يكون نقيضًا تامًا له: صارمًا، شجاعًا، قليل الكلام، لا يضيع وقته في اللهو، بل يسعى للمجد الخالد. وحين رأى كيف استطاع فيليب أن يُخضع معظم اليونان، لم ينبهر، بل شعر بالغضب، متسائلًا: ماذا سيبقى لي من أمجاد لأحققها؟

لكن الفرصة سرعان ما جاءت، حين قدِم أحد التجار بحصان جامح يُدعى بوسافلوس، لم يجرؤ أحد على ترويضه. بينما اعتبر الجميع الحصان غير صالح، رأى الإسكندر فيه فرصةً ليبرهن على تفوقه. تحدّى الجميع، بما فيهم والده، ونجح في ترويض الحصان وامتطائه بثقة. لم يكن ذلك مجرد انتصار بسيط، بل كان إعلانًا صريحًا أنه وُلد ليكون أعظم من والده.

ومع مرور الوقت، ازدادت حدة التوتر بينهما. ذات مرة، في لحظة غضب، حاول فيليب الاعتداء على ابنه، لكنه، وقد أفرط في الشراب، فقد توازنه وسقط أرضًا. حينها أطلق الإسكندر كلماته الساخرة التي دوّت في قاعة البلاط: "انظروا أيها المقدونيون، هذا الرجل الذي يَعِدكم أن يقودكم إلى آسيا، لا يستطيع أن يعبر حتى من طاولة إلى أخرى دون أن يسقط!"

لم يطل الوقت حتى أُغتيل فيليب، وتولى الإسكندر الحكم. أشار عليه مستشاروه أن يسير على نهج أبيه في الحكم، لكنه رفض، فقد كان لديه نهج مختلف تمامًا، نهج القوة والحسم. سحق التمردات ووحّد اليونان بالقوة، ولم يكتفِ بذلك، بل وضع عينيه على فارس، الحلم الذي لم يستطع فيليب تحقيقه.

عبر إلى آسيا بجيش قوامه 35,000 مقاتل، ليواجه جيشًا فارسيًا يفوقه عددًا بأضعاف. في طريقه، مرَّ بمدينة جورديوم، حيث كانت هناك عقدةٌ أسطورية تقول النبوءة إن من يستطيع حلّها سيحكم العالم. لم يحاول الإسكندر حلّها بالطريقة التقليدية، بل أشهر سيفه وقطعها نصفين، ممهّدًا لنفسه طريقًا جديدًا لا يسير فيه إلا العظماء.

حقق انتصارًا ساحقًا على الفرس، لكن المجد بالنسبة له لم يكن محطة نهائية، بل كان مجرد بداية. لم يتوقف عند فارس، بل اندفع شرقًا حتى وصل إلى الهند، موسعًا إمبراطوريته إلى أقاصي الأرض. لم يكن هناك شيء يوقفه سوى تعب جنوده الذين أنهكهم زحف لا نهاية له.

قليلون هم من يستطيعون تجاوز ظلال آبائهم وصنع مجدهم الخاص، والإسكندر كان واحدًا من هؤلاء. لم يورث العرش فحسب، بل ورث أيضًا عبء تجاوز إنجازات أبيه، وكان عليه أن يصنع مملكته الخاصة بعيدًا عن إرث الماضي. النجاح الذي يولد مع الإنسان قد يكون نعمةً، لكنه في كثير من الأحيان يصبح قيدًا يمنعه من التقدم. أدرك الإسكندر أن التمسك بالماضي، حتى لو كان مجيدًا، يعيق الطامحين عن تحقيق مستقبل أعظم. في لعبة العظمة، لا وقت للراحة، فالمجد لا يُصان بالتوقف، بل بالاستمرار في الانتصارات الجديدة.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN


إقرأ أيضاً:

قصة وحكمة: حين تكون المساومة خسارة لا ربحاً

قصة وحكمة: سقوط الوريث لويس الخامس عشر

قصة وحكمة: القرد والوتد

قصة للأطفال: عبدوس البخيل والكنز المفقود

قصة وحكمة: الذئب والحمل.. صراع القوي والضعيف

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق