قصة وحكاية: • قصة وحكمة: الذئب والحمل.. صراع القوي والضعيف

الأربعاء، 19 مارس 2025

• قصة وحكمة: الذئب والحمل.. صراع القوي والضعيف

القوة تُبَرِّر ظلم الطغاة

في زمنٍ غابر، حيث الغابات شاهقة، والأنهار دافقة، كانت شريعةُ الغابِ تحكمُ بسطوتها، فلا مجالَ للعدلِ بين القويِّ والضعيف، ولا مقامَ للمنطقِ أمام شهوةِ الفتكِ والتنكيل.

بين ظلال الغاب، حيث السكينة تُخالطها همسات النسيم، انساب جدول رقراق، يروي عطش العابرين، ويرسم على صفحته الصافية لوحات الطبيعة البديعة. وقف ذئب عند أعلاه، يتلذّذ بماءه الزلال، حتى وقعت عيناه على حمل وديع يشرب في أسفل الجدول، فاستيقظت في جوفه نوازع الجشع، وتوقّدت في نفسه نيران الطمع.

هدر بصوتٍ مزمجرٍ كالرعد: "ويحك! كيف تجرأتَ على تعكيرِ الماءِ الذي أشربُ منه؟ أيُّ جرأةٍ هذه وأيُّ سوء أدب؟".

ارتجف الحملُ، لكنّه لم يفقد صوابه، وقال بصوتٍ مرتعشٍ: "سيدي، كيف لي أن أُعكِّرَ ماءً يجري من نبعك إليّ؟ إنّني أشربُ مما يفيضُ عنك، ولا سلطانَ لي على صفائه".!

لكن الذئب لم يكن يبحث عن منطقٍ، بل عن حجةٍ، فقال مزمجرًا: "إن لم يكن الماء، فقد أسأت إليّ في العام الماضي".!

رفع الحملُ عينيه في دهشةٍ وقال مستنكرًا: "وكيف لي أن أفعل ذلك يا مولاي، وأنا لم أكن قد وُلدت بعد"؟.

قلبَ الذئبُ شفتيهِ بمكر، وعقدَ حاجبيه بغضبٍ مصطنعٍ وقال: "إن لم تكن أنت، فلا شكّ أن أحدَ أقاربك قد أساء إليّ، وجريرةُ الآباء يحملها الأبناء".!

عندها، أيقن الحمل أن لا مهربَ من المصير المحتوم، فتمتم بصوتٍ خافت: "إن كنتَ قد حكمتَ عليّ بالفناء، فما نفعُ حجتي وما جدوى دفوعي"؟.

ابتسم الذئبُ بسخريةٍ وهو يُظهر أنيابه الحادة، وقال بصوتٍ بارد: "لقد حُكم عليك قبل أن تدافع عن نفسك، فالضعيفُ لا يحتاجُ إلى جريمةٍ ليُعاقب، بل يكفيه ضعفه ذنبًا".!

وفي طرفة عين، وثب عليه كالسهم، ومزّقه بأنيابه دون رحمة، ليُثبت مرةً أخرى أن في مملكة الغاب، لا صوتَ يعلو فوق صوت القوة، ولا حقَّ يُصان حين تكون العدالة بيد المفترسين.
إنَّ الظالمَ لا يحتاجُ إلى حجّةٍ ليبطش، بل يبحثُ عن ذريعةٍ تبررُ طغيانه، فالقويُّ يفترسُ الضعيفَ بحكمِ القوة، لا بحكمِ العدالة، وهكذا تجري سُننُ الظلمِ منذ الأزل.