المجد لا يُورث، بل يُصنع
لطالما كانت السلطة امتحانًا عسيرًا لمن يرثها، فإما أن تخلده الأقدار ضمن سجلات العظماء، أو تدفعه إلى هاوية النسيان واللعنات. هكذا كان الحال حين توفي لويس الرابع عشر، ملك الشمس، الذي رفع فرنسا من حافة الانهيار إلى قمة المجد الأوروبي.
بعد
خمسة وخمسين عامًا من الحكم الصارم والناجح، انتقلت التاج إلى حفيده، لويس الخامس
عشر، الذي لم يكن أكثر من صبي في الخامسة عشرة من عمره. فهل استطاع أن يواصل مسيرة
جده العظيمة؟
منذ
اللحظة الأولى لتوليه العرش، أُحيط لويس الخامس عشر بألمع العقول في فرنسا، أعدوه
ليكون ملكًا عظيمًا، عارفًا بأسرار الحكم ومهارات القيادة. إلا أن هذا الإعداد
الدقيق لم يكن كافيًا لمواجهة طبيعة الملك الشاب، التي سرعان ما انكشفت حين استبد
بالسلطة وانغمس في حياة الترف والملذات.
في
بداية حكمه، أسند مهام إدارة الدولة إلى وزيره أندريه هنري دي فلوري، بينما انصرف
هو إلى الصيد والمقامرة ومطاردة النساء. ظن البعض أن شبابه مبرر لهذا اللهو، إلا
أن مع مرور السنوات تبيّن أن نزقه لم يكن مجرد نزوة، بل أسلوب حياة. لم يكن
الاقتصاد المتعثر ولا التهديدات العسكرية تثير اهتمامه، إذ لم يكن يجد في الحكم ما
يثير شغفه.
وكما
يتأثر البلاط عادة بسلوك الحاكم، تحوّل قصر فرساي إلى وكر للمقامرة والاحتفالات
المسرفة، وأصبحت المناصب تُمنح لمن يجيد إرضاء الملك لا لمن يملك الكفاءة. تراكمت
ديون الدولة، وانهارت الأخلاق داخل البلاط، وتحولت السلطة إلى أداة بيد العشيقات
والدجالين.
كانت
مدام دي بومبادور أولى النساء اللواتي سيطرن على مقاليد الحكم في ظل لويس الخامس
عشر، فقد استخدمت ذكاءها وسحرها لتصبح العشيقة الرسمية والسلطة الفعلية خلف العرش،
تعيّن الوزراء وتقيلهم وفق أهوائها. وبعد وفاتها، ورثت مدام دي باري هذا الدور،
حيث استغلت نفوذها في طرد أكفأ الدبلوماسيين لمجرد أنهم لم يحترموها.
ومع
تقدمه في العمر، ازداد الملك استهتارًا، فبنى ماخورًا سريًا في حدائق فرساي ليشبع
شهواته بعيدًا عن أعين الرعية. وفي الوقت ذاته، تسلل المحتالون والمنجمون إلى القصر
لإرضاء هوسه بالخرافات، حتى أصبحت الدولة كلها أسيرة شهوات ملك ضعيف الإرادة،
يتلاعب به طامعون لا تهمهم مصلحة فرنسا.
لم
يكن غريبًا إذن أن ينتهي حكمه بشعار "أنا ومن بعدي الطوفان"، فقد كانت
فرنسا على شفا الهاوية حين رحل في عام 1774، تاركًا لوريثه، لويس السادس عشر، دولة
مفلسة تتجه بخطى ثابتة نحو الثورة التي ستطيح بالملكية إلى الأبد.
التاريخ
لا يرحم من يبددون مجد أسلافهم، فمن يعتلي عرشًا عظيمًا دون أن يدرك ثقل
المسؤولية، لن يكون سوى ظل باهت لمن سبقه. لم يكن لويس الخامس عشر أول من فشل في
حمل إرث رجل عظيم، لكنه كان مثالًا صارخًا على ما يحدث حين تتحول السلطة من وسيلة
للنهوض بالأمة إلى أداة للترف والاستهتار. وهكذا، حين سقطت الملكية الفرنسية، لم
تكن مجرد نهاية لحكم عائلة، بل كانت درسًا تاريخيًا بأن المجد لا يُورث، بل يُصنع
من جديد.
المصدر: THE 48 LAWS
OF POWER, ROBERT GREEN
قصة وحكمة: روتشلد.. السخاء طريق إلى النفوذ
قصة وحكمة: لورنزو دي مديتشي.. الفن والنفوذ
قصة وحكمة: لويس الرابع عشر.. حين يصبح الكرم سلاحاً
قصة وحكمة: فنجان الشاي الذي أصبح أسطورة
قصة وحكمة: حين يخرج الحصان من اليقطينة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق