
قصة فيل الملك
كَانَ شَمْسُ الدِّينِ مَلِكًا طَاغِيًا، مُنْغَمِسًا فِي مَلَذَّاتِهِ وَمُنْشَغِلاً عَنْ هُمُومِ رَعِيَّتِهِ. وَكَانَ لَهُ فِيلٌ يُحِبُّهُ كَثِيرًا، فَلاَ يَسْمَحُ لأحَدٍ بِإِيذَائِهِ أَوِ التَّعَرُّضِ لَهُ.
يَجُوبُ الفِيلُ الأَزِقَّةَ وَالأَسْوَاقَ، فَيُحَطِّمُ كُلَّ شَيْءٍ فِي طَرِيقِهِ. تَضَرَّرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا فِعْلَ شَيْءٍ، خَوْفًا مِنْ غَضَبِ مَلِكِهِمِ القَاسِي.
وَذَاتَ يَوْمٍ، اجْتَمَعَ سُكَّانُ الْمَدِينَةِ، وَقَرَّرُوا مُطَالَبَةَ الْمَلِكِ بِحَبْسِ الفِيلِ أَوْ نَفْيِهِ عَنِ الْبِلاَدِ. دَخَلَ الْجَمِيعُ القَصْرَ فَتَمَلَّكَهُمُ الْخَوْفُ وَالرُّعْبُ. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِمُ شَمْسُ الدِّينِ، مُحَاطًا بِعَسَاكِرِهِ وَحَرَسِهِ، تَرَاجَعُوا نَحْوَ الْخَلْفِ، وَلَوْلاَ أَنَّ الْحُرَّاسَ أَغْلَقُوا الأَبْوَابَ لَفَرَّ الْجَمِيعُ.
سَادَ الصَّمْتُ الْمَكَانَ، فقَرَّرَ شَيْخٌ هَرِمٌ البَدْءَ بالْحَدِيثِ:
-"سَيِّدِي الْمَلِكُ. إِنَّ الفِيلَ..".
ثُمَّ صَمَتَ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الآخَرِينَ سَيُتِمُّونَ الْحَدِيثَ عَنْهُ، لَكِنَّهُ وَجَدَ نَفْسَهُ وَحِيدًا.
قَالَ شَمْسُ الدِّينِ غَاضِبًا:
- "مَاذَا أَصَابَ فِيلِي الْعَزِيزَ؟ تَكَلَّمْ!".
فَكَّرَ الشَّيْخُ فِي طَرِيقَةٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ وَرْطَتِهِ، فَقَالَ وَهُوَ يَرْتَعِدُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ:
- "الْفِيلُ يَشْعُرُ بِالوَحْدَةِ يَا سَيِّدِي، فَهَلاَّ أَحْضَرْتُمْ فِيلاً آخَرَ يُسَلِّيهِ!".
ضَحِكَ شَمْسُ الدِّينِ وَقَالَ:
- "أَنْتَ عَلَى حَقٍّ أَيُّهَا الْحَكِيمُ، أَحْضِرُوا فِيلاً آخَرَ أَيُّهَا الوُزَرَاءُ!".
جَلَبَ الْمَلِكُ فِيلاً آخَرَ، فاَزْدَادَتْ مُعَانَاةُ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ، فَقَرَّرُوا الذَّهَابَ لِيَشْتَكُوا لِلْمَلِكِ مَرَّةً أُخْرَى... وَكَالْمَرَّةِ الَّتِي سَبَقَتْهَا، طَلَبُوا مِنْ شَمْسِ الدِّينِ إِحْضَارَ فِيلٍ آخَرَ.
تَوَالَتْ زِيَارَاتُ الأَهَالِي لِلْقَصْرِ، وَكُلَّ مَرَّةٍ يُسْتَقْدَمُ فِيلٌ جَدِيدٌ، إِلَى أَنِ امْتَلأتِ الْمَدِينَةُ بِالْفِيَلَةِ.
رَحَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الوَاحِدَ تِلْوَ الآخَرِ.. وَكُلُّ مَنْ يُغَادِرُ يُلْقِي اللَّوْمَ عَلَى جُبْنِ الآخَرِينَ.. حَتَّى خَلَتِ الْمَدِينَةُ مِنْ أَهْلِهَا.. وَأَصْبَحَتْ مَرْتَعًا لِفِيَلَةِ الْمَلِكِ شَمْسِ الدِّينِ...
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق