عَصْفُورُ الخَيْرِ
عاشَ
في قَدِيمِ الزَّمَانِ رَجُلٌ مُتَنَسِّكٌ في غَابَةٍ وَحِيدًا لا يُشَارِكُهُ
فِيهَا إِلَّا عُصْفُورٌ جَمِيلُ الرِّيشِ وَالتَّغْرِيدِ.
جَاءَ المُتَنَسِّكُ في أَحَدِ الأَيَّامِ رَجُلَانِ يَسْأَلَانِهِ أَنْ يُرَافِقَهُمَا إِلَى قَصْرِ سَيِّدِهِمَا المَرِيضِ جِدًّا، عَلَّهُ يُسْدِي إِلَيْهِ بَعْضَ الحِكْمَةِ في لَحَظَاتِهِ الأَخِيرَةِ.
وَافَقَ
النَّاسِكُ عَلَى طَلَبِ سَيِّدِ المِنْطَقَةِ وَذَهَبَ بِرِفْقَةِ الرَّجُلَيْنِ،
فَمَا كَانَ مِنَ العُصْفُورِ إِلَّا أَنْ تَبِعَهُمْ خُلْسَةً مُتَنَقِّلًا مِنْ
شَجَرَةٍ إِلَى أُخْرَى وَمِنْ سَطْحٍ إِلَى آخَرَ.
حِينَ
دَخَلَ النَّاسِكُ غُرْفَةَ السَّيِّدِ المَرِيضِ وَجَدَهُ مُمتَقِعَ الوَجْهِ،
شَاحِبًا، وَيَكَادُ يُطْلِقُ أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ، وَكَانَ مَعَهُ في
الغُرْفَةِ ذَاتِهَا أَرْبَعَةُ أَطِبَّاءَ يَتَهَامَسُونَ بِأَنَّهُ لا أَمَلَ
يُرْجَى مِنْهُ.
لَكِنَّ
النَّاسِكَ حِينَ جَلَسَ قُرْبَ سَرِيرِ المَرِيضِ وَبِنَظْرَةٍ عَفَوِيَّةٍ
لَمَحَ العَصْفُورَ يَقِفُ عَلَى حَافَّةِ النَّافِذَةِ المُطِلَّةِ مِنَ
الغُرْفَةِ مُدَقِّقًا النَّظَرَ في المَرِيضِ، عِنْدَهَا أَفْصَحَ النَّاسِكُ
بِكُلِّ تُؤَدَةٍ أَنَّ سَيِّدَنَا سَيَعِيشُ.
انْدَهَشَ
الجَمِيعُ، كَمَا انْدَهَشَ السَّيِّدُ المَرِيضُ حَاكِمُ المِنْطَقَةِ مِنْ هَذَا
القَوْلِ مُسْتَطْلِعِينَ الأَمْرَ، لَكِنَّ النَّاسِكَ أَلْمَحَ بِعَيْنَيْهِ
مُخَاطِبًا المَرِيضَ إِلَى أَنْ يَنْظُرَ إِلَى العُصْفُورِ.
فَلَمَّا
نَظَرَ الحَاكِمُ المَرِيضُ إِلَى العُصْفُورِ لَمْ يَتَوَانَ مِنَ الضَّحْكِ
الَّذِي أَخَذَ يَسْتَرْسِلُ بِهِ كَمَا يَسْتَرْسِلُ المَاءُ الصَّافِي مِنَ
النَّبْعِ، فَكَأَنَّ الرُّوحَ قَدْ عَادَتْ تُمْلِي انْطِلَاقَهَا، فَمَا كَانَ
مِنَ العُصْفُورِ إِلَّا أَنْ غَرَّدَ بَعْضًا مِنْ أَلْحَانِهِ الَّتِي تَبْعَثُ
النَّشْوَةَ في النَّفْسِ، وَقَلِيلًا... قَلِيلًا... بَدَأَتِ الأَلْوَانُ
تَطْفَحُ عَلَى وَجْهِ السَّيِّدِ المَرِيضِ إِلَى أَنْ اسْتَعَادَ رُوحَهُ
وَاسْتَعَادَ أَنْفَاسَهُ.
بَعْدَ
أَيَّامٍ عِدَّةٍ، تَعَافَى السَّيِّدُ الحَاكِمُ وَجَاءَ قَاصِدًا النَّاسِكَ في
غَابَتِهِ لِيَشْكُرَهُ عَلَى مَا أَسْدَاهُ لَهُ مِنْ نَفْحِ حُبٍّ وَتَفَاؤُلٍ.
لَكِنَّ النَّاسِكَ اسْتَدَارَ صَوْبَ العَصْفُورِ لِيَقُولَ لِلسَّيِّدِ: أَنَا
لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا، إِنَّهُ هُوَ (أَيْ العُصْفُورُ) الَّذِي أَوْحَى لِي
بِأَنَّكَ سَتُشْفَى، لِأَنَّ هَذَا العُصْفُورَ الَّذِي يَتَحَلَّى بِالفَضِيلَةِ
وَالنِّعْمَةِ وَالَّذِي اسْمُهُ عُصْفُورُ الخَيْرِ، لَوْ أَنَّهُ شَعَرَ
بِأَنَّكَ فِعْلًا سَتَمُوتُ لَكَانَ أَدَارَ لَكَ ذَنَبَهُ وَطَارَ، لِأَنَّهُ لا
يَمْكُثُ في أَمَاكِنِ النَّحِيبِ وَالنَّعِي، لَكِنْ بِمَا أَنَّهُ مَكَثَ عَلَى
النَّافِذَةِ مُدَقِّقًا النَّظَرَ بِكَ شَعَرْتُ بِكُلِّ ثِقَةٍ بِأَنَّكَ سَتُشْفَى
لا مَحَالَةَ.
هُنَا
نَظَرَ الحَاكِمُ إِلَى العَصْفُورِ بِحُبٍّ وَعَطْفٍ شَدِيدَيْنِ، وَشَكَرَهُ
عَلَى نِعْمَةِ الخَيْرِ الَّتِي يَنْشُرُهَا حَيْثُ يَحِلُّ.
ثُمَّ
شَكَرَ النَّاسِكَ عَلَى حِكْمَتِهِ وَغَادَرَ طَالِبًا مِنْهُمَا أَنْ يُكْثِرَا
مِنْ زِيَارَتِهِمَا لِلْقَصْرِ كُلَّمَا سَنَحَتْ لَهُمَا الفُرَصُ.
المصدر:
ليوناردو دافنتشي / بواسطة نبيل أبو حمد
إقرأ أيضاً:
نوادر العرب: الربع قرش رحلة الغش والخداع
قصة للأطفال: الدّب الكسول والعسل المسموم
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق