ابن عرس وكنز الجليد
في صَباحِ أَحَدِ الأَيّامِ، ظَهَرَتْ كُتْلَةٌ جَليدِيَّةٌ ضَخْمَةٌ في مُنْتَصَفِ الغَابَةِ، كَانَتْ بِطُولِ شَجَرَةٍ وَبِحَجْمِ مِائَةِ فِيلٍ. وَالأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ شَدِيدَةَ البُرُودَةِ لِدَرَجَةِ أَلّا أَحَدَ يَجْرُؤُ عَلَى الاقْتِرَابِ مِنْهَا. وَلَكِنَّ مَا أَثَارَ اهْتِمَامَ الحَيَوَانَاتِ أَكْثَرَ هُوَ الكَنْزُ الرَّائِعُ الَّذِي يُمْكِنُهُم رُؤْيَتُهُ بِدَاخِلِهَا. بَدَا الكَنْزُ رَائِعًا لِدَرَجَةِ أَنَّ المَلِكَ الأَسَدَ نَفْسَهُ قَالَ إِنَّ مَنْ يَسْتَطِعْ إِخْرَاجَهُ سَيُصْبِحُ مَلِكًا بَعْدَهُ.
بِمُجَرَّدِ
أَنْ قَالَ هَذَا، فَقَدَتْ جَمِيعُ الحَيَوَانَاتِ كَرَاهِيَتَهَا لِلبَرْدِ
وَقَفَزَتْ عَلَى الكُتْلَةِ، فِي مُحَاوَلَةٍ شَرِسَةٍ لِإِخْرَاجِ الكَنْزِ.
بِاسْتِثْنَاءِ ابْنِ عِرْسٍ، الَّذِي وَقَفَ لِبَعْضِ الوَقْتِ يَنْظُرُ إِلَى
الكُتْلَةِ، وَيُرَاقِبُ الحَيَوَانَاتِ الأُخْرَى الَّتِي أَحْدَثَتْ ضَجَّةً
كَبِيرَةً، وَتَكَدَّسَتْ فَوْقَ بَعْضِهَا البَعْضِ.
كَانَ
الفِيلُ يَسْتَخْدِمُ خُرْطُومَهُ كَمِطْرَقَةٍ، وَانْتَهَى بِهِ الأَمْرُ
بِضَرْبِ الغُورِيلَا، فَاضْطَرَّ هُمَا الاثْنَانِ لِلذَّهَابِ إِلَى
الدُّكْتُورِ سَنْجُوبِ، الَّذِي يُدِيرُ مُسْتَوْصَفَ الغَابَةِ، أَمَّا
النَّمِرُ فَكَانَ يَسْتَخْدِمُ مَخَالِبَهُ مِثْلَ مِثْقَابِ المِطْرَقَةِ،
لَكِنَّهَا عَلِقَتْ فِي الجَليدِ، وَعِنْدَمَا تَمَكَّنَ أَخِيرًا مِنْ سَحْبِ
مِخْلَبِهِ، انْكَسَرَتِ المَخَالِبُ، وَهُوَ أَيْضًا اضْطَرَّ لِلذَّهَابِ إِلَى
صَالُونِ النَّعَامَةِ نَعُومَةِ، لِتَقْلِيمِ أَظَافِرِهِ، وَحَاوَلَتِ العَدِيدُ
مِنَ الغِزْلَانِ، الَّتِي أَدْرَكَتْ أَنَّ الكُتْلَةَ مَصْنُوعَةٌ مِنَ المَاءِ
البَارِدِ، أَنْ تَلْعَقَ الكُتْلَةَ. لَكِنَّ البُرُودَةَ الشَّدِيدَةَ
لِلْمِيَاهِ تَسَبَّبَتْ بِاضْطِرَابٍ فِي مَعِدَتِهِمْ، اضْطُرُّوا بَعْدَهَا
لِوَضْعِ حِفَاضَاتِ الأَطْفَالِ، كَانَتِ القُرُودُ مُصَمِّمَةً عَلَى تَدْمِيرِ
الكُتْلَةِ، وَأَلْقَتِ المَوْزَ وَالحِجَارَةَ بِسُرْعَةِ المَدَافِعِ
الرَّشَّاشَةِ. لَكِنَّهُمْ أَصَابُوا العَدِيدَ مِنَ الحَيَوَانَاتِ الأُخْرَى
لِدَرَجَةِ أَنَّهُمْ اضْطُرُّوا إِلَى التَّوَقُّفِ.
وَهَكَذَا
اسْتَمَرَّ الأَمْرُ، حَيْثُ حَاوَلَتْ جَمِيعُ الحَيَوَانَاتِ كَسْرَ الكُتْلَةِ
بِاسْتِخْدَامِ القُوَّةِ، طِوَالَ اليَوْمِ، وَلَكِنْ دُونَ جَدْوَى.
وَأَدْرَكُوا أَنَّ الأَمْرَ سَيَسْتَغْرِقُ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوعٍ.
وَلَكِن فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ قَالَ أَحَدُهُمْ:
-"انْظُرُوا! هُنَاكَ
شَيْءٌ يَتَحَرَّكُ دَاخِلَ كُتْلَةِ الجَليدِ! بِجِوَارِ الكَنْزِ مُبَاشَرَةً".
وَبَدَأَتِ
الحَيَوَانَاتُ تَتَسَاءَلُ: هَلْ كَانَ الكَنْزُ حَيًّا؟ هَلْ كَانَ لِلكَنْزِ
صَاحِبٌ يَعِيشُ مَعَهُ؟
فِي
الحَقِيقَةِ كَانَ ابْنُ عِرْسٍ، الَّذِي ظَهَرَ فِي وَسَطِ الحَيَوَانَاتِ
وَمَعَهُ بَعْضُ قِطَعِ الكَنْزِ. فَانْبَهَرُوا جَمِيعًا بِكَيْفِيَّةِ وُصُولِ
ابْنِ عِرْسٍ إِلَى الكَنْزِ مِنْ دُونِ كَسْرِ القِطْعَةِ. وَبَعْدَ
تَهْنِئَتِهِ، سَأَلُوهُ كَيْفَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟
أَخْبَرَهُمْ
ابْنُ عِرْسٍ أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَقْفِزَ عَلَى الكُتْلَةِ الجَليدِيَّةِ،
فَكَّرَ لِبَعْضِ الوَقْتِ، وَلَاحَظَ أَنَّ الكُتْلَةَ كَانَتْ كَبِيرَةً جِدًّا
بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ كَسْرُهَا بِالقُوَّةِ، وَسَوْفَ يَسْتَغْرِقُ الأَمْرُ
وَقْتًا طَوِيلًا حَتَّى تُذَوِّبُهَا الشَّمْسُ. ثُمَّ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّهُ
يُمْكِنُهُ الوُصُولُ إِلَى مُنْتَصَفِ الكُتْلَةِ مِنَ الأَسْفَلِ، عَنْ طَرِيقِ
حَفْرِ نَفَقٍ. وَفِي نِهَايَةِ نَفَقِهِ، أَشْعَلَ نَارًا صَغِيرَةً، وَالَّتِي
أَذَابَتْ بِسُرْعَةٍ حُفْرَةً فِي الجَليدِ، وَبِجُهْدٍ قَلِيلٍ، وَصَلَ ابْنُ
عِرْسٍ إِلَى الكَنْزِ!
وَهَكَذَا أَصْبَحَ ابْنُ عِرْسٍ مَلِكَ الغَابَةِ. وَقَدْ نَجَحَ فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ إِظْهَارِهِ لِلْجَمِيعِ أَنَّهُ يُمْكِنُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُحَقِّقَ المَزِيدَ مِنْ خِلَالِ التَّفْكِيرِ فِي المُشْكِلَاتِ بَدَلًا مِنَ الِانْدِفَاعِ إِلَى العَمَلِ عَلَى الفَوْرِ.
المصدر: مجلة سيدتي / بواسطة لينا الحوراني
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: القراشل المغربية عيدية
قصة وحكمة: اتقن فن اختيار التوقيت المناسب
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق