أَنْدُرُومِيدَا وَعَرَائِسُ الْبَحْرِ الْغَيُورَاتُ
فِي أَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الْبَعِيدَةِ، كَانَتْ أَنْدُرُومِيدَا ابْنَةَ مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ. لَمْ تَكُنْ أَنْدُرُومِيدَا مُدَلَّلَةً كَالْأَمِيرَاتِ الْأُخْرَيَاتِ، بَلْ كَانَتْ فَتَاةً طَيِّبَةً وَذَاتَ جَمَالٍ لَا يُضَاهَى، حَتَّى أَنَّهَا كَانَتْ أَجْمَلَ مِنْ وَالِدَتِهَا، كَاسِيُوبِيَا، الَّتِي كَانَتْ تُعْتَبَرُ رَمْزًا لِلْجَمَالِ. عَاشَتْ أَنْدُرُومِيدَا فِي مَدِينَةٍ سَاحِلِيَّةٍ تَمْلَؤُهَا السَّعَادَةُ وَالْهَنَاءُ، حَيْثُ كَانَتْ حَيَاتُهَا تَسِيرُ بِهُدُوءٍ وَسَلَامٍ، حَتَّى جَاءَ الْيَوْمُ الَّذِي تَجَاوَزَتْ فِيهِ وَالِدَتُهَا حُدُودَ التَّفَاخُرِ.
كَانَتْ
كَاسِيُوبِيَا تَفْتَخِرُ بِجَمَالِ ابْنَتِهَا أَنْدُرُومِيدَا فِي كُلِّ
مَجْلِسٍ، وَادَّعَتْ بِكُلِّ غُرُورٍ أَنَّهَا أَجْمَلُ مِنْ أَيِّ فَتَاةٍ فِي
الْمَمْلَكَةِ أَوِ الْمَمَالِكِ الْأُخْرَى. وَذَاتَ يَوْمٍ، وَصَلَتْ أَخْبَارُ
تَفَاخُرِهَا هَذَا إِلَى مَسَامِعِ الْحُورِيَّاتِ، وَهُنَّ بَنَاتُ بُوسِيدُونَ،
إِلَهِ الْبَحْرِ. كَانَتِ الْحُورِيَّاتُ جَمِيلَاتٍ لِدَرَجَةِ أَنَّ
بُوسِيدُونَ كَانَ يَصِفُهُنَّ بِأَنَّهُنَّ أَجْمَلُ مِنْ أَصْدَافِ الْبَحْرِ
الْمُتَلَأْلِئَةِ.
عِنْدَمَا
عَلِمَتِ الْحُورِيَّاتُ بِتَفَاخُرِ كَاسِيُوبِيَا، اشْتَكَيْنَ إِلَى
وَالِدِهِنَّ بُوسِيدُونَ، وَأَظْهَرْنَ اسْتِيَاءَهُنَّ الشَّدِيدَ. فَغَضِبَ
بُوسِيدُونَ بِشِدَّةٍ، وَقَرَّرَ مُعَاقَبَةَ الْمَدِينَةِ لِإِرْضَاءِ
بَنَاتِهِ. فَأَمَرَ بِإِغْرَاقِ الْمَدِينَةِ بِفَيَضَانَاتٍ عَارِمَةٍ،
وَأَرْسَلَ ثُعْبَانًا بَحْرِيًّا ضَخْمًا لِيُرْعِبَ سُكَّانَهَا
وَيَلْتَهِمَهُمْ.
أَصَابَ
الرُّعْبُ قُلُوبَ النَّاسِ بِسَبَبِ الْفَيَضَانِ الْمُدَمِّرِ الَّذِي خَلَّفَ
خَرَابًا هَائِلًا، وَلَمْ يَكُنِ الثُّعْبَانُ الْبَحْرِيُّ يَتَوَقَّفُ عَنْ
مُحَاوَلَةِ افْتِرَاسِ السُّكَّانِ. ازْدَادَ الْخَوْفُ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى
بَعْدَ انْحِسَارِ الْمِيَاهِ، حَيْثُ ظَلَّ الثُّعْبَانُ يَظْهَرُ فَجْأَةً فِي
مَوَاقِعَ مُخْتَلِفَةٍ، دُونَ أَنْ يَأْكُلَ أَحَدًا بَعْدُ، لَكِنَّهُ كَانَ
يُشَكِّلُ تَهْدِيدًا دَائِمًا.
لَجَأَ
الْمَلِكُ إِلَى أَحَدِ الْعَرَّافِينَ لِيَعْرِفَ مَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ لِإِنْقَاذِ
مَدِينَتِهِ مِنْ هَذَا الشَّرِّ الْمُسْتَطِيرِ. فَأَخْبَرَهُ الْعَرَّافُ أَنَّ
الْحَلَّ الْوَحِيدَ يَكْمُنُ فِي التَّضْحِيَةِ بِابْنَتِهِ الْحَبِيبَةِ،
أَنْدُرُومِيدَا، لِيُرْضِيَ بُوسِيدُونَ وَيُوقِفَ الْهُجُومَ. فَحَزِنَ
الْمَلِكُ بِشِدَّةٍ، لَكِنَّهُ اضْطُرَّ إِلَى تَنْفِيذِ مَا قِيلَ لَهُ،
وَأَمَرَ بِتَقْيِيدِ أَنْدُرُومِيدَا بِالسَّلَاسِلِ إِلَى شَجَرَةٍ عَلَى جُرْفٍ
يُطِلُّ عَلَى الْبَحْرِ.
فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَانَ الْبَطَلُ الشُّجَاعُ بَرْسِيُوسُ يُخُوضُ مُغَامَرَةً
جَدِيدَةً. وَبَيْنَمَا كَانَ يُبْحِرُ قُرْبَ الْمَدِينَةِ، شَاهَدَ خَدَمَ
الْمَلِكِ وَهُمْ يَرْبِطُونَ أَنْدُرُومِيدَا الْمَرْعُوبَةَ إِلَى الشَّجَرَةِ.
وَقَعَ بَرْسِيُوسُ فِي حُبِّهَا مِنَ النَّظْرَةِ الْأُولَى، وَانْتَظَرَ حَتَّى
غَادَرَ الْخَدَمُ، ثُمَّ اقْتَرَبَ مِنْهَا وَاسْتَخْدَمَ مَنْجَلَهُ
السِّحْرِيَّ لِيُحَرِّرَهَا مِنْ قُيُودِهَا.
وَفَجْأَةً،
ظَهَرَ الثُّعْبَانُ الْبَحْرِيُّ الْعِمْلَاقُ وَرَفَعَ رَأْسَهُ الْقَبِيحَ
مُتَّجِهًا نَحْوَ أَنْدُرُومِيدَا. صَرَخَتْ أَنْدُرُومِيدَا، لَكِنَّ
بَرْسِيُوسَ كَانَ مُسْتَعِدًّا. فَبِمَهَارَةٍ فَائِقَةٍ، اسْتَخْدَمَ مَنْجَلَهُ
السِّحْرِيَّ وَقَطَعَ رَأْسَ الثُّعْبَانِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ.
أَحَبَّتْ
أَنْدَرُومِيدَا بَرْسِيُوسَ بِشِدَّةٍ، وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ تُبْحِرَ مَعَهُ
فَوْرًا. لَكِنَّ أَنْدَرُومِيدَا أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ زَوَاجُهُمَا
بِمُبَارَكَةِ وَالِدِهَا، فَطَلَبَتْ مِنْ بَرْسِيُوسَ أَنْ يَتَقَدَّمَ
لِلْمَلِكِ لِطَلَبِ يَدِهَا. وَعِنْدَمَا عَلِمَ الْمَلِكُ بِأَنَّ بَرْسِيُوسَ
قَدْ أَنْقَذَ ابْنَتَهُ وَقَضَى عَلَى الْوَحْشِ، وَأَنَّ وَالِدَتَهُ كَانَتْ
أَمِيرَةً مِنْ مَدِينَةِ أَرْغُوسَ الشَّهِيرَةِ وَالْغَنِيَّةِ، غَمَرَتْهُ
السَّعَادَةُ وَوَافَقَ عَلَى الزَّوَاجِ بِسُرُورٍ.
بَعْدَ
احْتِفَالَاتِ الزِّفَافِ الرَّائِعَةِ، أَبْحَرَ بَرْسِيُوسُ مَعَ
أَنْدَرُومِيدَا إِلَى مَدِينَتِهِ أَرْغُوسَ، حَيْثُ عَاشَا مَعًا فِي سَعَادَةٍ
وَهَنَاءٍ دَائِمَيْنِ. وَمُنْذُ مُغَادَرَةِ أَنْدَرُومِيدَا، لَمْ يَعُدْ
لِلْمَلِكَةِ كَاسِيُوبِيَا الْحَقُّ فِي التَّفَاخُرِ بِجَمَالِ ابْنَتِهَا،
بِأَمْرٍ مِنَ الْمَلِكِ، مِمَّا جَعَلَ بُوسِيدُونَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُمْ
تَعَلَّمُوا الدَّرْسَ، فَلَمْ يُرْسِلْ ثُعْبَانًا بَحْرِيًّا آخَرَ لِإِيذَاءِ
النَّاسِ مَرَّةً أُخْرَى.
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: حكاية الولد القروي
قصة للأطفال: الثعلب ملك الغابة
قصة للأطفال: ميجيل وفتاة قاع البحر
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق