السبت، 4 يناير 2025

• قصة وحكمة: الأسَدُ والخِنزيرُ

الوحدة قوة، والخصام هلاك

كانَ يا ما كانَ، في أَرضٍ قاحِلَةٍ لاهِبَةٍ كأنَّها نارٌ مُستَعِرَةٌ، عاشَتْ فيها المَخلُوقاتُ في كِفاحٍ مُستَمِرٍّ مِن أَجلِ البَقاءِ. وفي تِلكَ البَيداءِ، بِركَةٌ صَغيرَةٌ تَلوحُ كالجَوهَرَةِ اليَتيمَةِ، يَتَهافَتُ إِلَيها العَطشَى مِن كُلِّ حَدَبٍ وصَوبٍ، فَهيَ الحَياةُ في أَرضٍ قَد جَفَّ ضَرعُها وبَارَتْ أَرضُها.

وكانَ مَلِكُ الغابَةِ، الأَسَدُ ذو الزَّئيرِ الجَبَّارِ والمَخالِبِ الَّتي تُمزِّقُ الظَّلامَ، يَرى في نَفسِهِ سَيِّدَ البِركَةِ بِلا مُنازِعٍ. وفي ذاتِ الرُّقعَةِ، كانَ يَعيشُ خِنزيرٌ ضَخمٌ عُرِفَ بِقُوَّتِهِ وأَنيابِهِ الَّتي تَشُقُّ الصُّخورَ.

ذاتَ يَومٍ قائِظٍ اشتَدَّتْ فيهِ حَرارَةُ الشَّمسِ حَتَّى أَذابَتِ الأُفُقَ، جاءَ الأَسَدُ والخِنزيرُ إِلَى البِركَةِ يَتَسابَقَانِ، كِلاهُما يَلهَثُ عَطَشًا، وكِلاهُما يَرفُضُ أَن يَتَنازَلَ لِلآخَرِ. زَأَرَ الأَسَدُ زَئيرًا كَالرَّعدِ، فَرَدَّ عَلَيهِ الخِنزيرُ بِنَفخٍ كَزَئيرِ العاصِفَةِ. كَشَفَ الأَسَدُ عَن أَنيابِهِ البارِزَةِ، وأَبرَزَ الخِنزيرُ نابَهُ الحادَّ. ثُمَّ ما لَبِثَ أَنِ اندَلَعَ القِتالُ، فَارتَفَعَ الغُبارُ حَتَّى حَجَبَتْ رُؤيَتُهُمَا السَّماءَ.

طالَتِ المَعرَكَةُ، وأُنهِكَتِ الأَجسادُ، لَكِنَّ الغَلبَةَ لَم تَكُن لِأَيٍّ مِنهُما. وفَجأَةً، حينَ تَوَقَّفَ الخَصمانِ لِيَلتَقِطا أَنفاسَهُما الثَّقيلَةَ، أَبصَرَت أَعيُنُهُما مَشهَدًا أَثارَ في نَفسَيهِما الرُّعبَ؛ كانَتِ النُّسورُ تُحَلِّقُ فَوقَهُما في دَوائِرَ مُتَتابِعَةٍ، تَتَرَبَّصُ بِأَحَدِهِما لِيَخِرَّ صَريعًا، فَيَكونَ لَها الوَليمَةُ الدَّسِمَةُ.

عِندَها، التَقَت عُيونُ الأَسَدِ والخِنزيرِ، وقَرَأَ كُلٌّ مِنهُما في عَينِ الآخَرِ الحِكمَةَ الَّتي غابَتْ عَنهُما. أَدرَكا أَنَّ مَعرَكَتَهُما لَم تَكُن إِلَّا عَبَثًا؛ فَقَد كانُوا يُهَيِّئونَ المَأدُبَةَ لِلنُّسورِ بَدَلًا مِن تَحقيقِ غايتِهِما. إِنَّ البِركَةَ الَّتي تَنازَعَا عَلَيها لَم تَكُن تَستَحِقُّ كُلَّ هَذا الصِّراعِ، إِذ أَنَّ ماءَها يَتَّسِعُ لَهُما مَعًا.

تَراجَعَ الخَصمانِ، ووَقَفا جَنبًا إِلَى جَنبٍ، كَأَنَّما تَحالَفا ضِدَّ عَدُوٍّ مُشتَرَكٍ. تَوَجَّهَا نَحوَ البِركَةِ، فَشَرِبا مَعًا، وهُما يَذوقانِ لَذَّةَ الماءِ مَمزوجَةً بِطَعمِ الحِكمَةِ. ومِن يَومِها، باتَتِ البِركَةُ مَلاذًا لِلسَّلامِ، لا مَيدانًا لِلصِّراعِ، وتَعَلَّمَ الأَسَدُ والخِنزيرُ دَرسًا لَن يَنسَيَاهُ أَبَدًا: أَنَّ المُشارَكَةَ خَيرٌ مِنَ الخِصامِ، وأَنَّ الوَحدَةَ قُوَّةٌ أَمامَ الأَعداءِ.

إقرأ أيضاً:

قصة وحكمة: التاجر والحمار

قصة وحكمة: البراهمي والنمر وابن آوى

قصة وحكمة: المسمار المفقود

قصة للأطفال: رانيا ومصباح الأمل

قصة وحكمة: صائد الطيور والطائر الأسود

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق