الأحد، 9 مارس 2014

• قصة للأطفال: الكنّة الطيبة (قصة من الصين)


          كان يعيش في إحدى القرى رجل عجوز اسمه "لاو لين مو". كان لديه ابن وثلاث بنات. كانت بناته جميلات وفصيحات اللسان. وكان أبوهن يتفاخر بهذا الشيء أمام جيرانه.

          كان يقول: حالما تبدأ بناتي بالكلام يطير الحمام من على الأشجار باتجاههن.
          انتشرت الإشاعة عن البنات الفصيحات اللسان  بين الناس، والأب كان يشعر بسعادة كبيرة.
          مضت عدة سنوات. تزوجت البنات، وتزوج الابن أيضاً. كانت كنة (زوجة ابنه) "لاو لين مو" متواضعة ومحبة للعمل ومجتهدة. وكانت دائماً ترتب البيت وتنظف الفناء. كانت تحيك وتطرز بشكل رائع وتعمل في الحقل بمهارة وإتقان. وكانت تعيش مع زوجها في حب وسلام وتحترم وتوقر حماها، فلذلك كان يسميها  الكل في القرية بالكنة الطيبة. لكن "لاو لين مو" لم يكن يحبها، لأنها لم تكن تتقن الكلام بشكل جميل مثل بناته.
          قبل عيد رأس السنة الجديدة أخرج لاو لين مو بعضًا من قطع النقود الفضية التي كان قد حصل عليها كأجر عام  كامل ونظر إليها طويلاً. وكان يشعر بالأسف لصرف هذه النقود لشراء ملابس جديده ليرتديها. ولم يكن يرغب في شراء فستان جديد لكنته. كان يريد أن يهدي هذه النقود القليلة لبناته ، وكان عليه أن يقسمها إلى ثلاثة أجزاء حتى لا يغبن أحدًا من بناته في القسمة. لم يستطع الأب طوال الليل النوم، فقد كان يفكر في كيفية التصرف في هذه النقود... وأخيراً وجد مخرجاً.
          في اليوم التالي وعند بزوغ الفجر خرج من المنزل من دون أن يفطر وقال في نفسه: سوف أتناول القليل من الطعام عند كل واحدة من بناتي حتى أشبع.
          قطع "لاو لين مو" حوالي خمسة كيلومترات في طريقه إلى ابنته الكبرى. فرحت الابنه عند رؤيتها لأبيها وقالت له كلمات كثيرة لطيفة وكيف أنها كانت في انتظاره. وكان أبوها يبتسم ويهز رأسه فرحاً.
          وكان يقول في نفسه: كيف تجيد ابنتي الكلام بشكل جيد وتقول أشياء رائعة. سوف أعطيها النقود.
          قالت ابنته الكبرى أشياء كثيرة، ولكنها لم تنبس ببنت شفة عن الإفطار. وأدرك الأب أن ابنته تستقبله في بيتها بتكلف وبلا إخلاص وإنها فقط تجيد الكلام. لم يعطها النقود وغادر منزلها.
          وقطع الأب خمسة كيلومترات أخرى في طريقه إلى منزل ابنته الوسطى. وعندما رأته فرحت أيضاً وقالت له كلمات كثيرة لطيفة ورقيقة وكررت أكثر من مرة أنها سوف تعد لأبيها الإفطار. ولكنها لم تبدأ في الإعداد. وأدرك أبوها أن ابنته الوسطى تستقبله بتكلف وبلا إخلاص. لم يعطها النقود وغادر منزلها.
          قطع الأب خمسة كيلومترات أخرى ووصل إلى منزل ابنته الصغرى. استقبلت أباها، وكما فعلت أختاها من قبل، ببشاشة وحفاوة وقالت في عجالة إنها سوف تعد له على الإفطار فطائر بالزبدة. هز الأب رأسه فرحاً. وكان يحب ابنته الصغرى كثيراً، فقرر الأب أن يهدي ابنته الصغرى النقود بعد أن رأى إخلاصها وحفاوة استقبالها له.
          شعر الأب بالجوع وذهب إلى المطبخ ولكنه لم ير ابنته ورأى الفطائر الشهية الساخنة والتي كان يخرج منها البخار.أخذ الأب فطيرة ليأكلها  فدخلت  فجأة ابنته. وبسرعة قام الأب بنزع قبعته الشتوية من على رأسه ووضع الفطيرة الساخنة على رأسه ومن ثم غطى رأسه بالقبعة.
          اكتشفت الابنة بعد أن عدت الفطائر، أن عددها غير كامل وينقص فطيرة واحدة وفهمت الأمر وقالت لأبيها: يا أبي لقد أخذ التعب منك حتى إن البخار يتصاعد من رأسك. لماذا لا تخلع القبعة؟
          رد الأب باستهزاء:
          - لأن عندي بنات مثلكن ... فرغماً عن أنفي سوف أعرق من السعادة.
          سكتت الابنة. وأيقن الأب أنها تقول ما لا تعتقده. وهي أيضاً كلماتها حلوة ولطيفة، لكن قلبها قاسٍ. لم يعطها شيئاً ورجع إلى بيته وبحوزته النقود.
          كانت الكنة في هذا الوقت جالسة تغزل عند باب المنزل. وحالما رأت حماها تركت المغزل وبدأت تقديم الغداء. وكان الطعام ساخناً ورائحته زكية.
          وهنا كذب عليها الأب وقال لها: لقد تناولت الإفطار ثلاث مرات عند بناتي وأنا الآن شبعان.
          ردت عليه الكنة: تناول الطعام مرة واحدة في منزلك أفضل من تناول الطعام ثلاث مرات في ضيافة الآخرين.
          لم يملك "لاو لين مو" أن يرفض وأكل حتى الشبع.
          وهنا أدرك أن "حلو الكلام قليل الإحسان" وأن كنته بالفعل طيبة وبدون كلمات لا جدوى منها اعتنت به وقدمت له الطعام.
          سوف أعطيها النقود. هذا ما قرره الأب وفعله.
          منذ ذلك الوقت لم يفتخر "لاو لين مو" ببناته وعندما كان الناس يمدحون كنته كان يشعر بالرضا ويبتسم من حين إلى آخر.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق