الأربعاء، 15 يونيو 2022

• قصة ملهمة: دَيْنٌ لا يُسَدَّد


صديق وفي

كنت أجلس في مسجد الجامعة، متكئاً على أحد الأعمدة، ذاهلاً عما حولي، لا أنتبه إلى من يدخل أو يخرج، ولا أشعر بأي شيء، لا أسمع أصواتاً على الرغم من كثرة الطلبة الذين يتحدثون في مجموعات صغيرة، فأنا وسط دوامة من الحيرة والتيه والضياع، ساهماً أفكر.

-  خيراً إن شاء الله، نصف الألف خمسمئة؟

لم أنتبه، هزني برفق قائلاً: ما لك يا رجل؟ فأنا أحدثك. فيمَ أنت سارح؟

هززتُ رأسي، سلمتُ عليه معتذراً. علاقتي معه عادية تماماً، لم يكن من أصدقائي المقربين، ولكننا طلاب قسم واحد، وأسبقه بعام دراسي.

- ما الذي يُشغلك؟ أراك كأنك تحمل كل هموم الدنيا على ظهرك!

- لا شيء صدقني. مُتعب فقط.

نظرات الشك لم تفارقه، جلس بجانبي، وأخذنا نتحدث، كان مندفعاً للحديث، وكنت بالكاد أتكلم، وبمشقة بالغة، فلم أكن أرغب بأي حديث.

- اسمع، لن أتركك حتى تخبرني بأمرك، فقد تأكدت أنَّ أمراً جللاً يُشغلك، ويجثم على صدرك. تحدث يا أخي، فضفض.

لزمت الصمت، فقد تعودت على كتمان أمري، ولا أشارك أحداً ما أعاني.

- يا رجل، ربما أسافر بعد أيام إلى باكستان لإكمال دراستي هناك، فلا يكن آخر ذكرياتي معك هذا التجهم والصمت والألم الدفين.

شعرت بالصدق في كلماته ومشاعره، وإصراره على أن يعرف ما بداخلي، فقلت:

- التسجيل لم يبقَ له سوى ساعتين أو أقل، وأنا بصراحة لا أملك المال الكافي للتسجيل، وإن لم أفعل فسيضيع عليّ الفصل المقبل.

لاحظت حزنه وألمه، نظر إليّ معاتباً: سامحك الله، تكلم يا أخي، اسأل، لعلها تفرج.

- ومن أين يا صديقي، فكلنا بالكاد يتدبر أمر نفسه؟

- اسمع، أنا أنتظر أوراق قبولي في باكستان، وكنت أنوي التسجيل من باب الاحتياط، أما وأنك في ورطة فأنت أحق به مني.

- لا، مستحيل، لا أقبل أن أكون أنانياً لهذه الدرجة، المال مالك، وأنت أولى به مني.

- بصراحة، أنا كنت متردداً في التسجيل، ودخلت المسجد لأفكر في الأمر، ووجدتك أمامي، فأرجو أن تقبل، بل أنت مجبر أن تقبل، لعل الله ييسر لي أمر القبول في باكستان.

- ولكن، كيف سأرد لك المبلغ إن سافرت؟

- لا عليك، عندما تفرج عليك، سلم المبلغ لزميلنا أحمد سالم ليوصله إلى والدي، فهو جار لنا، ولن يتخرج قبل سنتين.

سلمني المبلغ الذي أحتاجه، ثم وقف قائلاً: هيا، أسرع وسجل قبل فوات الأوان.

عانقته شاكراً مودعاً، ودموعي تتساقط تأثراً وحمداً.

ثلاثة عقود وأكثر مرت على هذه الحادثة، وما زالت طازجة كأنها جرت بالأمس، وعلى الرغم من تسديدي المبلغ بعد أشهر، فإنني أشعر أنني ما زلت مديناً لهذا الصديق!

المصادر: 1، 2

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة للأطفال: السلحفاة بيتها على ظهرها

قصة للأطفال: بحر لكل الفصول

قصة للأطفال: الزيتون أغلى

قصة للأطفال: البئر المهجورة

قصة للأطفال: مغامرة في الصحراء

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق