الخميس، 23 يونيو 2022

• قصة للأطفال: الفنانة رذاذ


ماذا لو انقلب الوضع

          وقفت الناقة الصغيرة «رذاذ» في وسط الغرفة، ووضعت يديها على خصرها، وقالت لأمها:

          أماه.. غدًا سأذهب إلى المرسم لأتعلم الرسم.. لقد قررت أن أصير فنانة.

          هزت الناقة الأم رأسها غير مقتنعة وقالت:

          كلام فارغ.. قريبًا ستكبرين، وسيأتي الإنسان ليأخذك إلى المعصرة!

          فكرت الناقة «رذاذ» في كلام أمها، وتخيّلت نفسها في معصرة لزيت السمسم، وهي تدور طوال الليل والنهار، وعلى عينيها قطعة قماش ثخينة تحجب عنها الرؤية.

          قالت الناقة رذاذ غاضبة:

          لا.. لن أعمل كعبدة في معصرةٍ لزيت السمسم.. أنا أرفض هذا العمل المقرف.. سأكون فنانة وأعيش حياة الحرية !

          نَفَخَتْ الناقة الأم شفتيها باستهزاء:

          بببببب!

          في اليوم التالي، عندما أشرقت الشمس، ذهبت الناقة رذاذ إلى المرسم، ومعها علبة ألوان مائية، ودفتر الرسم، ووضعتْ على رأسها قبعة جميلة.

          ولما وصلتْ إلى الفصل، رأت التلاميذ والتلميذات منكبّين على دفاترهم يرسمون ويلونون.

          انتبه معلم الرسم لوجودها، فاقترب منها وسألها بلطف:

          أهلًا يا صغيرة.. هل أنت تائهة؟

          أجابت الناقة رذاذ بحزم : كلا.

          رفع الأطفال رؤوسهم، وراحوا يراقبون الموقف باهتمام.

          تابعتْ الناقة رذاذ وهي تشمخ برأسها:

          لقد أتيت إلى هنا لأتعلم الرسم.

          ماذا؟ قال المعلم هذه الكلمة ثم غرق في ضحك متواصل.

          وعندما رأى الأطفال المعلم يضحك، راحوا هم أيضًا يضحكون ويكركرون حتى أوجعتهم بطونهم.

          وعندما سمع الجيران صدى الضحكات المنبعث من الدور الثالث، راحوا هم أيضًا يضحكون من قلوبهم، ضحكًا مجلجلًا حتى احمرّت وجوههم.

          وعندما سمع سكان المدينة تلك الضحكات الرهيبة الطافحة من العمارة التي فيها المرسم، لم يتمالكوا أنفسهم من الضحك، فضحكوا وضحكوا وضحكوا حتى استلقوا على الأرض، وأخذوا يتقلّبون ويرفسون، ويقرصون سيقانهم ليتوقفوا عن الكركرة.

          عادت الناقة رذاذ إلى بيتها وهي تبكي بكاءً مرًا، حتى سال الكحل الأسود على خديها بسبب دموعها الغزيرة.

          أشفقت الناقة الأم على ابنتها الصغيرة المكسورة الخاطر، فاحتضنتها، وقدمت لها قالبًا من الكعك اللذيذ.

          وبعد أن انتهت رذاذ من التهام قالب الكعك، طلبت منها الناقة الأم أن تذهب للنوم، ووعدتها بأن تتدخل لحل مشكلتها غدًا.

          وفي اليوم التالي ظهرت الشمس وهي تلعب مع العصافير، فزالت الكآبة من نفس رذاذ، وانتعشت آمالها.

          أعطتها الناقة الأم دورقًا ممتلئًا باللبن الطازج السائغ الطعم الذي حلبته من ضرعها، وقالت لها:

          حبيبتي رذاذ.. خذي هذا اللبن وقدميه هدية لمعلم الرسم، واطلبي منه أن يقبلك تلميذة في فصله.

          أخذت رذاذ الدورق، وانطلقت إلى المرسم تركض فرحة أشد الفرح.

          فلما وصلت إلى هناك، ناولتْ دورق اللبن للمعلم، وطلبتْ منه أن يعلّمها الرسم.

          في هذه المرة، نظر إليها المعلم باحترام وتوقير، وأدرك أن رغبتها في تعلم الرسم حقيقية، ونابعة من قلبها.

          طلب منها المعلم أن تجلس إلى كرسي وطاولة في آخر الصف.

          وعلى الفور جلست حيث أشار المعلم، وفتحت دفتر الرسم، وأخرجت ألوانها المائية، وتطلعت بتركيز إلى الحصان المرسوم على السبورة بالطباشير، وبمهارة وحذق رسمت الحصان، وأضافت من عندها علفًا أخضر.

          وحين راجع المعلم رسوم التلاميذ، تفاجأ بالعلف الأخضر الذي أضافته رذاذ في رسمها، فسألها عن السبب الذي جعلها تفعل ذلك؟

          فقالت له رذاذ:

          يا معلم أترى الحصان الذي رسمته على السبورة؟ لقد أحسست من نظرة عينيه أنه جائع.. لأجل هذا وفرت له طعامًا ليأكل!

          ضحك التلاميذ وسخروا من رذاذ.

          ولكن المعلم لم يضحك، بل تكلم بوقار قائلًا:

          لماذا تضحكون؟ إن زميلتكم رذاذ أفضل منكم، لأنها لم تتعامل مع الحصان الذي رسمته لكم كشيء جامد، بل على العكس، هي حاولت أن تحس به، وأن تُفَسِّرَ نظرة عينيه، صدقوني هذه الناقة الصغيرة الأنيقة تفهم في الرسم أكثر منكم جميعًا.

          أطبق الصمت على التلاميذ، وشعروا بالغيظ من ثناء المعلم على التلميذة الجديدة، وأي تلميذة هي، مجرد ناقة ذات سنام!

          مسح المعلم رسم الحصان، وبتمهل رسم لهم على السبورة ظبية ذات قرون متشابكة، وطلب منهم أن يرسموها في دفاترهم.

          رن جرس الهاتف، فذهب المعلم إلى الحجرة المجاورة ليرد على المتصل.

          وأثناء غياب المعلم، قامت طفلة اسمها ليلى بكسر عدد من أقلامها المائية، وفي غفلة من الجميع ألقت بحشوات الأقلام المائية في دورق اللبن، ثم عادت إلى مكانها، دون أن ينتبه أحد إلى فعلتها.

          وعندما رجع المعلم، نظر في ساعته وأعلن أنه قد حان وقت الاستراحة.

          تَحَلَّقَ التلاميذ حول دورق اللبن بفضول، فأحضر المعلم أكوابًا وصب لهم جميعًا.

          فلما تذوقوه شعروا بالغثيان من مرارته، وأحسوا بطعم لاذع كريه في ألسنتهم، وأما ليلى فقد ادعت أنها أصيبت بالاختناق.

          نظروا إلى اللبن، فوجدوا لونه الأبيض مختلطًا ببقع حمراء وخضراء وصفراء!

          تأفف الجميع واتجهت أنظارهم إلى الناقة رذاذ التي احمرّ وجهها من شدة الخجل والارتباك، فأخذت أغراضها وخرجت، وهي تسمع التعليقات الساخرة تلاحقها من أفواه بعض التلاميذ والتلميذات.

          وعندما وصلت إلى البيت، ارتمت على فراشها، وأخذت تبكي طيلة المساء وحتى طلوع الصباح.

          بعد أسبوع من وقوع هذه الحادثة المؤسفة، جاء المعلم ومعه الطفلة ليلى إلى بيت الناقة رذاذ، وكشف لها أن ليلى هي التي قامت بتلويث اللبن، وأنها أتت بنفسها لتعبر عن ندمها، ولتعتذر عن فعلتها القبيحة معها.

          سامحتها رذاذ بطيبة نفس، فتصالحتا، وأصبحتا منذ تلك اللحظة صديقتين.

          وهكذا عادت رذاذ إلى الفصل، وواصلت تلقي دروس الرسم، فتطورت موهبتها وبراعتها.

          وفي اليوم الذي أشرقت فيه الشمس ضاحكة، أعلنت وزارة التعليم عن مسابقة للرسم.

          واشترك مئات من الطلاب والطالبات في المسابقة.

          ومن ضمن هؤلاء شاركت أيضًا الناقة رذاذ بلوحة واحدة.

          وفي احتفال نهاية العام الدراسي، جاء فنان تشكيلي ذائع الصيت، رفيع المقام، شعره أبيض، ويتوكأ على عصا، ليختار اللوحة الفائزة.

          وبحرص وتدقيق مر على اللوحات واحدة واحدة، وفحصها فحص الخبير، لكن أيّة واحدة منها لم تنل إعجابه، أو ترضي ذوقه، لأنها كانت في معظمها رسومًا تحاكي الواقع ولا تضيف شيئًا.

          ولكنه عندما مر بلوحة الناقة رذاذ، وقف، ووقف شعر رأسه!

          تسمّر في مكانه، ونسي كل من حوله من الأساتذة وكبار القوم، وأخذ يتأمل لوحة الناقة رذاذ التي رسمت بشرًا يدورون في معصرة لزيت السمسم، وعيونهم مغطاة بقطع قماشية سوداء تحجب عنهم الرؤية!

          أذهله أيضًا عنوان اللوحة المؤثر الذي اختارته الناقة رذاذ:

          (ماذا لو انقلب الوضع وأصبح البشر يعصرون زيت السمسم)!

          صَفَّقَ الفنان العظيم وابتسم ابتسامة واسعة، معلنًا رضاه التام عن لوحة الناقة رذاذ، واعترافه بعبقريتها.

          ويا للفرحة، لقد فازت الناقة رذاذ بالجائزة!

          وبسبب اجتهادها في الدراسة، وحرصها على التعلم، أصبحت رسامة مشهورة جدًا، يتحدث عنها العالم أجمع.

بواسطة وجدي الأهدل

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة للأطفال: بسبس والثوب المحروق

قصة للأطفال: العودة إلى كوكب الأرض

قصة للأطفال: درس في السير

قصة للأطفال: البئر البلّورية

قصة للأطفال: نيبال.. بلد الجبال العملاقة!

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق