الخميس، 30 يونيو 2022

• قصة للأطفال: مِصْرُ هِبَةُ النِّيلِ


سلطان النوم

أدْخُلُ غُرْفَتي، فَأَخْلَعُ ثِيابي، وأَلْبَسُ مَنامَتي، ثُمَّ أُلْقي بِجِسْمي فَوْقَ السَّريرِ، وأُغَطِّيهِ بِالإزارِ. لَكِنْ، نَسيتُ أنْ أقولَ لَكُمْ، إنَّني لا أضَعُ رَأْسي على الْوِسادَةِ، إلاَّ بَعْدَ أنْ أتَأكَّدَ مِنْ إغْلاقِ النَّوافِذِ والْبابِ، وإطْفاءِ الْمَصابيحِ جَميعِها...

إذْ ذاكَ يَحْمِلُني سُلْطانُ النَّوْمِ بَيْنَ كَفَّيْهِ الْحانِيَتَيْنِ إلى عالَمِ الأَحْلامِ الْجَميلَةِ؛ فَتارَةً، أجِدُ نَفْسي في تونُسَ الْخَضْراءِ، وتارةً في سورْيَةَ الْحَسْناءِ، لَكِنَّني في هَذِهِ اللَّيْلَةِ، لا أعْرِفُ إلى أيِّ بَلَدٍ عَرَبِيٍّ سَيَحْمِلُني!.. على كُلٍّ، لأَغْمِضْ عَيْنَيَّ، وأنْتَظِرْ قَليلاً، فَبَعْدَ حينٍ، سَيَحْضُرُ كَعادَتِهِ دائماً، لِيَأْخُذَني مَعَهُ، دونَ أنْ أَشْعُرَ!

فَجْأَةً، سَمِعْتُ أصْواتاً مُخْتَلِطَةً، ورَأَيْتُ أشِعَّةً تَتَسَّلَّلُ مِنْ ثقوبِ الْبابِ وشُقوقِ النَّوافِذِ، فَتُضيء غُرْفَتي كُلَّها، كَأنَّ ثُرَيّا تُسَلِّطُ أضْواءَها عَلى أرْكانِها. قَفَزْتُ مِنْ سَريري دَهِشاً، وفَتَحْتُ الْبابَ بِيَدٍ مُرْتَعِشَةٍ، فَرَأيْتُ سُيَّاحاً مِنْ كُلِّ أنْحاءِ الْعالَمِ، يُحيطونَ بِالأهْرامِ، ويَلْتَقِطونَ صُوَراً لَها. ولَمْ يُخْرِجْني مِنْ دَهْشَتي وحَيْرَتي إلاَّ صَوْتُ طِفْلٍ أسْمَرَ: لِمَ تَتَسَمَّرُ مَشْدوهاً بِبابِ غُرْفَتِكَ كَـ(أبي الْهَوْلِ)؟!..ألا تُريدُ أنْ تَزورَ الأهْرامَ الْعَظيمَةَ؟!

أجَبْتُهُ مُتَلَعْثِماً: بَلى!..لَكِنْ..أيْنَ..نَحْنُ؟!

ضَحِكَ مِنِّي قائلاً: ماذا تَقولُ؟!.. ألَمْ تَفْهَمْ مِنْ هَذِهِ الأهْرام التي تَراها أمامَكَ أنَّكَ في مِصْرَ أُمِّ الدُّنْيا؟!

قُلْتُ لَهُ فَرِحاً: أجَلْ، أخي، لا تُؤاخِذْنِي، فَمازالَ النُّعاسُ يَلْعَبُ بِرَأْسي! هَيَّا بِنا نَزُرِ الأهْرامَ، بَلْ مِصْرَ كُلَّها. لَكِنْ، أجِبْني: ما الْفائدَةُ مِنْ هَذِهِ الأحْجارِ الضَّخْمَةِ، الْمُتَراصَّةِ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ؟!

اِبْتَسَمَ ابْتِسامَةً خَفيفَةً، وأجابَني: اُنْظُرْ جَيِّداً!..ألا تَرى مِئاتٍ مِنَ السُّيَّاحِ، يَفِدونَ مِنْ بِلادٍ بَعيدَةٍ لِيُشاهِدوها ويَتَسَلَّقوها ويَأخُذوا لَهُمْ صُوَراً تِذْكارِيَّةً؟

فَكَّرْتُ قَليلاً، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ مُوافِقاً: حَقاًّ ما تَقولُ، صَديقي، فَلَوْلا قيمَتُها التَّاريـخِيَّةُ والْفَنِّيَّةُ لَما اهْتَمّوا بِها أصْلاً!

قالَ: لَقَدْ بَناها مُلوكُ الْفَراعِنَةُ لِتُحافِظَ على رُفاتِهِمْ وكُنوزِهِمْ. فَمَثَلاً، الْهَرَمُ الأكْبَرُ (خوفو) الَّذي يَتَوَسَّطُ الْهَرَمَيْنِ الأوْسَطَ والأصْغَرَ، بُنِيَ بِثَلاثَةٍ وعِشْرينَ مِلْيونَ قِطْعَةٍ حَجَرِيَّةٍ، والْقِطْعَةُ تَزِنُ ما بَيْنَ طُنَّيْنِ ونِصْف  وخَمْسَةَ عَشَرَ طُنّاً. جيء بِهَذِهِ الأحْجارِ في سُفُنٍ مِنَ الضِّفَّةِ الشَّرْقِيَّةِ لِلنِّيلِ إلى الضِّفَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، ثُمَّ حُمِلَتْ في عَرَباتٍ يَجُرُّها ثيرانٌ!

سَألْتُهُ مُتَعَجِّباً: وماذا يَفْعَلُ ذَلِكَ الأسَدُ الَّذي يَجْثُمَ قُبالَتَها؟

رَدَّ ضاحِكاً: اِحْذَرْ مِنْهُ، إنَّهُ يَحْرسُها مِنَ الْمُشاغِبينَ، ولِهَذا يُسَمّونَهُ: (أبو الْهَوْلِ)!..نَحَتَهُ الْمَلِكُ الْفِرْعَوْنِيُّ (خِفْرَعُ) قَبْلَ 4500 سَنَةٍ، فَجاءَ شَبيهاً لَهُ تَماماً، يَضَعُ على رَأسِهِ لِباساً مَلَكِياًّ (النِّمْسَ) وعلى جَبينِهِ (حَيَّةً) و(لِحْيَّةً طَويلَةً) وكُلُّها رُموزٌ تَدُلُّ على الْمَلَكِيَّةِ. ويَبْلُغُ طولُهُ اثْنَيْنِ وسَبْعينَ مِتْراً، وارْتِفاعُهُ عِشْرينَ. أمّا اسْمُهُ، فَيَعني بِاللُّغَةِ الْقَديـمَةِ (بَرْحولَ) أيْ (مَنْزِلَ الأسَدِ)!

أحْسَسْتُ بِحَرٍّ شَديدٍ، فَطَلْبْتُ مِنْ صَديقي أنْ يَأخُذَني إلى مَكانٍ آخَرَ، يُنْعِشُ نَفْسي ويُريحُ صَدْري، فَقالَ لي: إنَّ الْكَثيرينَ مِنَ السُّيَّاحِ يَأتونَ باكِراً، لِيَتَجَنَّبوا الْحَرَّ الَّذي يَشْتَدُّ عِنْدَما يَتَوَسَّطُ النَّهارُ، فَتَعالَ مَعي إلى الْقَناطِرِ الْخَيْرِيَّةِ، الَّتي أنْشَأَها حاكِمُ مِصْرَ مُحَمَّدٌ عَلِيٌّ باشا في (الْقَلْيوبِيَّةِ) عامَ  1868 وهِيَ تَبْعُدُ عَنِ الْقاهِرَةِ بِاثْنَيْنِ وعِشْرينَ كيلومِتْراً!

حينَما بَلَغْنا الْقَناطِرَ، شعرتُ بِالرَّاحَةِ والسَّكينَةِ، والْهَواءِ النَّقِيِّ يُداعِبُ أرْنَبَةَ أنْفي، فَأخَذْتُ أُمَتِّعُ عَيْنَيَّ بِمَنْظَرِ النَّخيلِ، والشَّجَرِ الأخْضَرِ الْجَميلِ، الَّذي يُزَيِّنُ جنَباتِها. وشاهَدْتُ أنْواعاً مِنَ الطُّيورِ الْمُلَوَّنَةِ تُحَلِّقُ فَوْقَها، وفَتَحاتِها الْبالِغَةَ الْواحِدة والسَّبْعينَ فَتْحَةً، تَسْري مِنْها الْمِياهُ الْكافِيَةُ لِلسَّقْيِ. فَقُلْتُ في نَفْسي: إنّها فِعْلاً (خَيْرِيَّةٌ) اِسْمٌ على مُسَمَّى، لأنَّها بُنِيَتْ على نَهْرِ النِّيلِ، لِتَسْقي خَمْسَمائةِ قِطْعَةٍ أرْضِيَّةٍ، وتُحافِظَ على الْمِياهِ التي كانَتْ تَضيعُ في الْبَحْرِ الأبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ، وتَحُدَّ مِنَ فَيَضاناتٍ قَوِيَّةٍ تُغْرِقُ الأراضِيَ الزِّراعِيَّةَ!.. لَكِنْ، أهَذا كُلُّ ما يوجَدُ في مِصْرَ؟!

وكَأنَّ صَديقي فَهِمَ ما أُفَكِّرُ فيهِ، فجَذَبَني مِنْ يَدي قائلاً: تَعالَ نَرْكَبِ الْقِطارَ إلى أَسْوانَ والأُقْصُرِ، فَفيهِما تَرى عَجَباً عُجاباً!

سارَ بِنا الْقِطارُ لَيْلَةً كامِلَةً، مِنَ الْقاهِرَةِ إلى أَسْوانَ، قَطَعَ فيها ثَمانَمائَةٍ وتِسْعَةً وثَمانينَ كيلومِتْراً. وفيما كُنّا قاصِدَيْنِ (السَّدَّ الْعالي) وَجَدْنا في طَريقِنا ضَريحَ الأديبِ الْكَبيرِ (عَبَّاسٍ مَحْمودٍ الْعَقَّادِ) فَتَرَجَّلْنا مِنَ الْحافِلَةِ لِنَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، ونَتَذَكَّرَ كُتُبَهُ الَّتي تَرَكَها لَنا لِنَسْتَفيدَ مِنْها الْكَثيرَ في الأدَبِ والدِّينِ والتَّاريخِ. ولَمَّا وَصَلْنا السَّدَّ، ظَنَنْتُهُ بَحْراً لِشَساعَتِهِ، لَوْلا أنْ أكَدَّ لي صَديقي أنَّهُ السَّدُّ الْعالي، الَّذي يَبلُغُ طولُهُ ثَلاثَةَ آلافٍ وسِتَّمائَةِ مِتْرٍ، وعَرْضُ قاعِدَتِهِ تِسْعَمائَةِ وثَمانينَ مِتْراً، وارْتِفاعُهُ مائَةً وأحَدَ عَشَرَ مِتْراً. اِلْتَفَتُّ إلى صَديقي أسْألُهُ مُنْبَهِراً: إنَّهُ سَدٌّ كَبيرٌ جِداًّ، لا مَثيلَ لَهُ في الْعالَمِ الْعَرَبِيِّ، لَكِنْ، مافائدَتُهُ؟

اِنْفَجَرَ ضاحِكاً، وقالَ: عَجَباً لَكَ، يا صَديقي، أنْتَ دائِماً تَسْألُ عَنْ فَوائدِ الْبِناءاتِ!.. إنَّ الْغايَةَ مِنْ إنْشائهِ هِيَ تَخْزينُ الْمِياهِ لاسْتِعْمالِها عِنْدَ الْحاجَةِ، كَسَقْيِ الأراضي الْفِلاحِيَّةِ، وتَوْليدِ الطَّاقَةِ الْكَهْرَبائِيَّةِ. وأوَّلُ مَنْ فَكَّرَ في بِنائِهِ قَبْلَ أحَدَ عَشَرَ قَرْناً، هُوَ الْعالِمُ الْعَرَبِيُّ  الْحَسَنُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وحَقَّقَ أُمْنِيَّتَهُ الرَّئيسُ جَمالُ عَبْدِالنَّاصِرِ سَنَةَ 1971!

ثُمَّ رَكِبْنا عَوَّامَةً مُكَوَّنَةً مِنْ طابَقَيْنِ، وتَوَجَّهْنا إلى (الأُقْصُرِ) أوْ مَدينَةِ النُّورِ التَّاريـخِيَّةِ، وهِيَ تَضُمُّ آثاراً عَظيمَةً، كَـ(مَعْبَدِ الْكَرْنَكِ) ولَيْسَ (مَعابِدَ) كَما كُنْتُ أظُنُّ، لأنَّهُ (مَنْزِلُ أمونَ) أسَّسَهُ الْمَلِكُ (امْنَحْتَبُ الثَّالِثُ) واسْتَمَرَّ الْمُلوكُ في بِنائِهِ ألْفَ عامٍ، كُلٌّ مِنْهُمْ يَزيدُ فيهِ مِحْراباً أوْ عَموداً أوْ تِمْثالاً أوْ غُرْفَةً. و(الْكَرْنَكُ) اسْمٌ عَرَبِيٌّ، يَدُلُّ عِنْدَ السُّودانِيِّينَ على (الْقَرْيَةَ الْمُحَصَّنَةَ). ومِنْها رَكِبْنا في الْقِطارِ عائدينَ إلى الْعاصِمَةِ الْقاهِرَةِ، الَّتي بَناها الْقائدُ جَوْهَرُ الصِّقَلِّي سَنَةَ 969 م بِأمْرٍ مِنَ الْمُعِزِّ لِدينِ اللَّهِ الْفاطِمِيِّ لِتَكونَ عاصِمَةِ الدَّوْلَةِ الْفاطِمِيَّةِ. وتُعْرَفُ بِـ(مَدينَةِ الأَلْفِ مِئْذَنَةٍ) لِما تَحْتَوي عَلَيْهِ مِنْ مَساجِدَ عَديدَةٍ، كَالْجامِعِ الأزْهَرِ، وأحْمَدَ بْنِ طولونَ وعَمْرٍو بْنِ الْعاصِ والْحاكِمِ بِأمْرِ اللَّهِ ومَسْجِدِ قَلْعَةِ صَلاحِ الدِّينِ الأيُّوبي. قالَ لي صَديقي: هَلْ تُريدُ أنْ تُشاهِدَ الْقاهِرَةَ كُلَّها؟

ظَنَنْتُهُ مازِحاً، فَسَألْتُهُ:لابُدَّ أنَّ لَكَ خَريطَةً أوْ صورَةً لِمَنْظَرِها الْعامِّ، تُريدُ أنْ تُرِيَني إيَّاها، ألَيْسَ كَذَلِكَ؟!

أجابَني، وهُوَ يُشيرُ إلى بُرْجِ الْقاهِرَةِ: سَرِّحْ نَظَرَكَ بَعيداً، مِنْ هُناكَ نَسْتَطيعُ أنْ نُشاهِدَ الْقاهِرَةَ كُلَّها، ونَهْرَ النِّيلِ الْعَظيمِ يَخْتَرِقُها!

- حَسَناً، صَديقي، هَيَّا بِنا، إنَّكَ لا تُمازِحُني!

قَصَدْنا الْبُرْجَ، فَأعْجَبَنا شَكْلُهُ، كَأنَّهُ زَهْرَةُ (اللُّوتْسِ) الَّتي كانَ الْفَراعِنَةُ يَتَّخِذونَها شِعاراً لِلتَّاجِ الْمَلَكِيِّ. ثُمَّ رَكِبْنا الْمِصْعَدَ، فَانْطَلَقَ يَصْعَدُ بِنا خَمْسَةَ عَشَرَ طَابَقاً، في مَسافَةِ مائَةٍ وسَبْعَةٍ وثَمانينَ مِتْراً. وهُناكَ في قُبَّتِهِ، وَجَدْنا مِنْظاراً ذا حَرَكَةٍ دائرِيَّةٍ، سَهَّلَ عَلَيْنا رُؤْيَةَ مَعالِمِ الْقاهِرَةِ بِدِقَّةٍ. كانَ النِّيلُ أوَّلَ ما شاهَدْتُهُ، ولَوْلا هَذا النَّهْرُ لَكانَتْ مِصْرُ صَحْراءَ قاحِلَةً؛ فَهُوَ الَّذي يَسْقي أرْضَها، ويُغَذِيها بِـ(الْغِرْيَنِ) - الطِّينِ، لِيُخْصِبَها، ويُلَطِّفَ جَوَّها، ويَصِلَ بِالسُّفُنِ مُدُنَها، ويَمُدَّ بِالسَّمَكِ سُكَّانَها. إنَّها (هِبَةُ النِّيلِ) كَما قالَ الْمُؤَرِّخُ الْيونانِيُّ (هيرودوتْ)!.. ثُمَّ شاهَدْتُ حَديقَةَ السَّمَكِ بالزَّمالِكِ، وحَديقَةَ الْحَيَواناتِ بِالْجيزَةِ. وبِشارِعِ جامِعَةِ الدُّوَلِ الْعَرَبِيَّةِ، رَأيْتُ تِمْثالَ الأَديبِ الْعالَمِيِّ نَجيبٍ مَحْفوظٍ، يَتَوَكَّأُ على عُكَّازٍ بِيُمْناهُ، ويَمْسِكُ كِتاباً بِيُسْراهُ. كَما شاهَدْتُ الْمَتْحَفَ الْمِصْرِيَّ في مَيْدانِ التَّحْريرِ، الَّذي يَحْتَوي على خَمْسَةٍ وعِشْرينَ ألْفَ قِطْعَةٍ أثَرِيَّةٍ، والْقَرْيَةَ الْفِرْعَوْنِيَّةَ الَّتي تَعْرِضُ مُجَسَّماتٍ لِقُصورِ الْفَراعِنَةِ ومَقابِرِهِمْ، وأهْراماتِهِمْ وآلاتِهِمْ، ومَنازِلِهِمْ ودَكاكينِهِمْ.. وسُفُنَ الْقائدِ الْفَرَنْسِيِّ نابْلْيونْ، وبَذْلَةَ الرَّئيسِ الرَّاحِلِ جَمالٍ عَبْدِالنَّاصِرِ. ومَسْجِدَ سَيِّدِنا الْحُسَيْنِ، وبِجانِبِهِ سوقُ خانٍ الْخَليلِيِّ. قُلْتُ لِصَديقي: شُكْراً جَزيلاً لِلْمُهَنْدِسِ (نَعيمٍ شَيْبوبٍ) الَّذي صَمَّمَهُ!

وسَكَتُّ قَليلاً قَبْلَ أن أسْألَهُ ضاحِكاً: لا تَظُنُّني ضَيْفاً ثَقيلاً، فَأنا مِنْ عادَتي أريدُ أنْ أعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ..!

          قاطَعَني قائلاً: تُريدُ أنْ تَسْألَني: لِماذا أُنْشِئَ هَذا الْبُرْجُ؟.. إنَّ كَثيراً مِنَ الدُّوَلِ تَبْني أبْراجاً لِخِدْمَةِ مُواطِنيها، فَمَثَلاً، بُرْجُ التَّحْريرِ بالْكُوَيْتِ، يَصِلُ بَيْنَ مُدُنِها وقُراها بِشَبَكَةٍ للاِتِّصالاتِ، كَما تَتَوَفَّرُ على أبْراجٍ  أُخْرى لِتَخْزينِ الْمِياهِ. أمَّا هَذا الْبُرْجُ الَّذي يَعودُ تاريـخُهُ إلى شَهْرِ أبْريلَ مِنْ سَنَةِ 1961 فَيُرْشِدُ بِمِصْباحِهِ الطَّائراتِ القادِمَةَ إلى مِصْرَ!

نَزَلْنا مِنَ الْبُرْجِ، وقَصَدْنا مَحَطَّةَ (رَمْسيسَ) فَرَكِبْنا الْقِطارَ الْمُتَّجِهَ إلى الإسْكَنْدَرِيَّةِ. وهِي مِنْ مُدُنِ مِصْرَ الْكُبْرى، يَصِفونَها بِـ(عَروسِ الْمُتَوَسِّطِ) لأنَّ رِمالَ شَواطِئِها ناعِمَةٌ، تَمْتَدُّ أرْبَعينَ كيلومِتْراً، مِنْها شاطِئُ (الْمُنْتَزَهِ) الَّذي يَتَمَيَّزُ بِحَديقَةٍ غَنَّاءَ، يَتَوَسَّطُها الْقَصْرُ الْمَلَكِيُّ. وبَعْدَ حَوالَيْ ساعَتَيْنِ، وَصَلْنا الإسْكَنْدَرِيَّةَ، فَزُرْنا مَكْتَبَتَها الَّتي تَحْوي ثَمانِيَةَ مَلايينَ كِتابٍ ومَجَلَّةٍ للْكِبارِ والصِّغارِ مَعاً، وقاعاتٍ لِلْمُطالَعَةِ، وغُرْفَةٍ خاصَّةٍ بالأطْفالِ، يَقْرَأونَ فيها الْقِصَصَ، ويَرْسُمونَ ويُشاهِدونَ أشْرِطَةَ الرُّسومِ الْمُتَحَرِّكَةِ، ومَعْرِضٍ لأكْبَرِ وأشْهَرِ الرَّسَّامينَ. وبِبابِها شاهَدْنا تِمْثالَ باني الْمَدينَةِ الإسْكَنْدَرِ الأكْبَرِ الْمَقْدونِيِّ عامَ 332 قَبْلَ الْميلادِ، وظَلَّتْ عاصِمَةَ مِصْرَ لألْفِ سَنَةٍ، إلى أنْ فَتَحَ عَمْرٌو بْنُ الْعاصِ مِصْرَ عامَ 641م. كما شاهَدْنا مَنارَةَ الإسْكَنْدَرِيَّةِ القديمة، الَّتي كانت تُعَدُّ مِنَ الْعَجائبِ السَّبْعِ، وقلعة قايتباي التي تقع مكان مَتْحَفَ السَّمَكِ، يَعْرِضُ أنْواعاً مِنَ الْحيتانِ والأسْماكِ، كَالْقِرْشِ وأبي سَيْفٍ والدُّلْفينِ..! في الْمَساءِ، عُدْنا إلى الأهْرامِ بِالْجيزَةِ، فَوَجَدْناها هادِئةً خالِيَةً، لا طَيْرَ يَطيرُ، ولا بَشَرَ يَسيرُ، إلاَّ (أبو الْهَوْلِ) يَحْرُسُها، فَوَدَّعْتُ صَديقي، ودَلَفْتُ إلى غُرْفَتي. ثُمَّ ألْقَيْتُ بِجِسْمي فَوْقَ السَّريرِ، بَعْدَ أنْ تَأكَّدْتُ مِنْ إغْلاقِ الْبابِ والنَّوافِذِ، وإطْفاءِ الْمَصابيحِ جَميعِها!

العربي بنجلون  

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة للأطفال: فخّ العصافير

قصة للأطفال: الصياد والغراب والثعلب

قصة مخيبة: زعيم المافيا ومحاسبه

قصة للأطفال: أنا والدلفين في العالم الجديد

قصة للأطفال: القطة والزهرية

 

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق