كان ذلك منذ أربعين عاماً، حين أصيب ذات يوم طفلنا
بارتفاع في درجة الحرارة، واستمرت الحرارة أكثر من أسبوع، فاستدعينا الطبيب الذي لا
أنسى زيارته لنا طوال هذه السنوات التي مضت. ذلك أنه عندما قام بالكشف على ابننا طلب
إجراء بعض التحاليل التي لاحظنا أنه لم يكن من بينها الفيدال أو تحليل التيفوئيد.
وكان يخيم علينا الحزن وقتئذ بسبب وفاة احدى طالبات زوجتي،
التي كانت تعمل مُدَرِّسَةً بالتعليم الثانوي، وذلك على أثر تشخيص خاطئ من أحد الأطباء
عالج أذكى طالباتها، وربما أرقهن، على أنها مريضة بالحمى الروماتيزمية، ثم اتضح بعد
فوات الأوان أنه التيفوئيد، الوحش الذي التهم شبابها غيلة. فخشينا أن يكون ابننا مصاباً
بالمرض نفسه، وأن المأساة قد تتكرر. لهذا عنـدما جـاء طبيـب التحاليل لأخذ عينة الدم
طلبنا منه إضافة تحليل التيفوئيد. وعندما ظهرت نتيجة التحليل اتضح أن تحليل التيفوئيد
هو الإيجابي الوحيد، وأن ابننا مصاب حسب نتيجة التحاليل بالتيفوئيد.
ومرة
أخرى جاء الطبيب لزيارتنا، فلما اطلع على نتيجة التحليل أعلن في حزمٍ أنه رغم هذه النتيجة
فإن ابننا ليس مصاباً بالتيفوئيد وأن الخطأ في مختبر التحليل. وعندما رأى الشك في عيني
قال بكل مودة: هل تحب أن أشرح لك على أي أساس أقول رأيي؟ ودون أن ينتظر مني جواباً
مضى يُوَضِّح لي أن حرارة ابني مستمرة إلى الآن ومنذ حوالي عشرة أيام، ولو أنه مصاب
بالتيفوئيد لكان لابد أن تظهر عليه أعراض لا وجود لها، ومضى يشرح لي هذه الأعراض غير
الموجودة فسألته في حيرة: إذن ما سبب هذه الحرارة؟
قال
بهدوء وثقة: مجرد دور برد.
وأصدقك
القول يا طبيبي العظيم أنني مع ثقتي الكبيرة فيك، فقد انتابني واحد في المائة من الشك
فيما تقول. وفي اليوم التالي هبطت الحرارة، ثم زالت، وعوفي ابننا.
المصدر:
1
إقرأ أيضاً
للمزيد
أيضاً وأيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق