قصة وحكاية: قصة سياسية: الوفد الفيتنامي في مفاوضات باريس

الأربعاء، 30 يوليو 2025

قصة سياسية: الوفد الفيتنامي في مفاوضات باريس

الضمير والوطن

في خضمّ الحرب الفيتنامية التي أنهكت الولايات المتحدة وأثقلت كاهلها بالخسائر البشرية والمادية، أدركت القيادة الأمريكية أن لا مفرّ من التفاوض. قرروا أخيرًا الجلوس إلى طاولة الحوار مع الثوار الفيتناميين، وأرسلوا دعوة رسمية لهم لاختيار وفد يمثّلهم في مفاوضات السلام بالعاصمة الفرنسية باريس.

وصل الرد سريعًا: وفد مكوّن من رجلين وامرأتين. وكعادة السياسة الأمريكية، جهزت الاستخبارات كل وسائل الإغراء والراحة. فندق فخم، موائد عامرة بكل ما لذّ وطاب، سيارات فارهة تنتظرهم في المطار، واستقبال دبلوماسي يليق بـ"ضيوف تفاوض".

لكن ما حدث في المطار أذهل الجميع.

فور وصول الوفد الفيتنامي، رفض أفراده الركوب في السيارات الفاخرة، وأصرّوا على المغادرة بطريقتهم الخاصة، مؤكدين أنهم سيحضرون الجلسات في موعدها. اقترب رئيس الوفد الأمريكي مستغربًا وسألهم:
ــ "أين ستقيمون إذًا؟"
فأجاب أحد أعضاء الوفد بهدوء وحزم:
ــ "سنقيم عند طالب فيتنامي يعيش في ضواحي باريس."

تفاجأ الأمريكي وقال متعجبًا:
ــ "لكننا وفرنا لكم فندقًا مريحًا، وإقامة ممتازة بكل تفاصيلها..."

فقاطعه الفيتنامي قائلاً:
ــ "نحن كنا نقاتلكم في الجبال والأنفاق، ننام على الصخور، ونأكل الحشائش لنعيش. إن اعتدنا على النعومة والرفاهية الآن، قد تتغير نفوسنا، ونخشى أن تتبدل ضمائرنا. فاتركونا وشأننا."

لم يجد الأمريكي ما يردّ به، سوى أن يشاهدهم يغادرون بهدوء وكبرياء إلى وجهتهم المتواضعة.

مرت أيام المفاوضات بحذر وجدية. وحين انتهت الاجتماعات، مدّ الأمريكي يده ليصافح أعضاء الوفد الفيتنامي، لكنهم رفضوا مصافحته.

قال أحدهم:
ــ "ما زلنا أعداء. لم يفوّضنا شعبنا أن نصافحكم. ومن يبيع ضميره، لا يتردد في بيع وطنه."

خرج الوفد الأمريكي من تلك المفاوضات وقد تعلّم درسًا عميقًا لا يُنسى: أن الشعوب التي تقاتل بإيمان، لا تُغريها رفاهية الفنادق، ولا تُخدع بابتسامات الدبلوماسية. وأن العزيمة الصادقة لا تُساوم، بل تُقاوم حتى آخر رمق.

قصة لم تكتبها فقط السياسة، بل سطّرها الكبرياء الوطني بأحرفٍ من نار ورصاص.

فيسبوك: https://www.facebook.com/ali.ramadan.206789

منصة أكس: https://x.com/AliRamadan54

جديدنا كتاب:

100 قصة حب من كل زمان ومكان

إقرأ أيضاً:

قصة وعبرة: فرصة نادرة

قصة وعبرة: حين يخبئ القدر وجهه الآخر

قصة ملهمة: متسوّل على رصيف المحطة

قصة وحكمة: الديك الأحمر والثعلب

قصة وحكمة: الأسد والضفدع

للمزيد