يحكى أن رجلاً يدعى "خُزيمة بن بشر"، كان ميسور
الحال ينفق على كل فقير ومحتاج، ثم دارت عليه دائرة الدنيا والأيام فأصبح فقيراً مُعْدَمَاً،
فجاء بعض الذين كان يعطيهم من خيره ويَمدُّ لهم يد العون فأعطوه شهراً أو شهرين ثم
ملوا وتوقفوا عن مساعدته...!
أغلق باب بيته عليه وهو لا يجدُ ما يسدُّ به الرمق هو
وزوجته، كان الوالي المكلف في الجزيرة يدعى «عكرمة بن الفياض»، وكان يعرف "خُزيمة
بن بشر" فسأل عنه، فقيل له، لقد افتقر خُزيمة وأصبح لا يملك قوت يومه وأغلق
بابه.
فاندهش
عكرمة قائلاً: خُزيمة افتقر؟ ولَم يجد ممن كان يعطيهم ليقف معه، خزيمة الذي كان
يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر.
وفِي
الليل والنَّاس نيام خرج عكرمة الفياض الوالي وأخفى وجهه وهو يحمل على ظهره حملاً
ثقيلاً حتى بلغ دار خزيمة ثم طرق الباب قال خُزيمة، من؟ قال عكرمة: ضيف ففتح خزيمة
ووضع عكرمة الحمل من ظهره وقال: هذا لك، قال خُزيمة: ومن أين؟
قال
عكرمة: من مال الله، قال خُزيمة: ومن أنت: قال عكرمة: جابر عثرات الكرام.
قال
خزيمة: بالله عليك عرفّني من أنت؟ قال: جابر عثرات الكرام ثم انصرف مسرعاً.
قال
خزيمة لزوجته: أشعلي لنا فانوساً لنرى ماذا أحضر الرجل المُلثم، قالت: ليس لدينا
فانوساً ولا حطباً نوقده، فأخذ عكرمة يتلمس الكيس في الظلام حتى انفلق الصباح، وعندما
فتحه وجدها أربعة آلاف دينار وخمسمئة، وكان الألف دينار يعادل أربعة كيلو ذهب
ومائتين وخمسين جراماً، فشكر خُزيمة ربه وقضى دينه وأصلح حاله.
وعندما
رجع الوالي عكرمة إلى بيته وجد زوجته تولول وتقول: لا يخرج الوالي في هذه الساعة
إلا لزوجة أخرى قال: لا والله، قالت: إذن أخبرني أين كنت؟ قال: لو أردت إخبارك أو
إخبار أحد لما خرجت متخفياً ليلاً، قالت: يجب أن أعرف، وأَلَحَّتْ ولَم تنمْ حتى
قَصَّ لها القصة وقال: اكتمي السر ولا تحدثي به حتى نفسك.
وبعد
فترة ذهب خزيمة إلى أمير المؤمنين "سليمان بن عبد الملك" فسأله: أين كنت
يا خزيمة لم نسمع عنك من زمنً، فقصَّ عليه القصة، فقال الأمير: ومَنْ جابر عثرات
الكرام؟
قال:
لم أعرفه ورفض إخباري، قال الأمير: ليتك عرفته ثم أمر بمنح دنانير أخرى لخُزيمة،
وأصدر أمراً بإعفاء عكرمة الفياض وتعيين خُزيمة بن بشر والياً
لمنطقة ألجزيرة.
ورجع
خُزيمة ودخل قصر الوالي وهو يحمل مرسوم العزل وكان في استقباله عكرمة بنفسه وسَلَّمَهُ
أمرَ الْعِزْلِ، فقال عكرمة: كله خير، ثم قال خُزيمة: أُريدُ أن أحاسبك على مال
المسلمين.
فَرَّحَبَ
عكرمةُ بذلك، فوجد خُزيمة مبلغاً من المال غير موجود، فقال خُزيمة: أين المال يا
عكرمة؟ قال: ليس معي، قال: إذن رُدَّهُ من مالك، قال: لا أملك مالاً خاصاً قال:
إما المال أو السجن، وسُجِنَ عكرمة ردحاً من الزمن، ووُضِعتْ له الأغلال الثقيلة
في كتفيه وظهره حتى ضعف جسمه وتغير لونه، وعندما سمعت زوجة عكرمة بما حدث لزوجها
الوالي المعزول ذهبت الى خُزيمة وكانت هي بنة عّم خُزيمة وقالت له: يا خُزيمة ما
هكذا يُجازى جابر عثرات الكرام، فانتفض خُزيمة مفزوعاً قائلاً: هل هو
عكرمة؟ يا ويلتاه، وهرول إلى السجن دون أن يسمع شيئاً آخراً، وأخذ يَفكُّ الأغلال
من عكرمة بيديه ويبكي وعكرمة يسأله: ماذا حدث ولماذا تبكي؟ قال خُزيمة: من كرمك
وصبرك وسوءُ صنيعي، كيف أنظر في وجهك ووجه ابنة عمي؟
فأمر
له بالكساء والغذاء وعندما استوى عوده قال له: هيا معي إلى خليفة المسلمين ،فلما رآهم الخليفة بن عبدالملك قال: ما الذي
أتى بك يا خُزيمة وأنت حديث عهد بالولاية؟
قال:
أتيتك بـجابر عثرات الكرام، وأظنك كنت متشوقاً لمعرفته.
فاندهش
بن عبد الملك وقال: هل هو عكرمة؟ خِبْتَ يا بن عبد الملك وتعجلت، لقد أخجلتنا بطيب
صنيعك وصبرك يا جابر عثرات الكرام.
فأمر
لعكرمة بعشرة آلاف دينار وأعاد تعيينه والياً وقال: إن شئتما حكمتما معاً، وظلا
واليين مع بعضهما حتى توفاهما الله...!
إقرأ أيضاً
للمزيد
أيضاً وأيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق