الثلاثاء، 23 يونيو 2020

• قصة سياسية: عقيدة القضاء والقدر

كان يحكم الأحياء الخمسة في مدينة نِبَال في بلاد هيرُوس، "خمسةُ حُكَّامٍ شيوخ يمتصُّون دمَ الشعب كالعَلَق". كان كلُّ حيٍّ مستقلًّا عن الآخر، سكانُه يعيشون فيه متقاطعين متنابذين، يستغلُّ واحدُهم الآخَر، ولا يعرفون من قواعد الحياة الإجتماعية إِلَّا واحدةً قديمة: "الطاعة للكبير والعصا للصغير". كان ينشأُ كبيرُهم على ثلاثة:

حُب الذات، حُب المال، حُب الجاه، وينشأُ صغيرُهم على الانصياع والخنوع، فتفشَّى في الأَحياء الخمسة الفقرُ المالي والأَخلاقي، والمواطنون يُعانون مقهورين ولا يرفعون الصوت اعتراضًا لأَن شُيوخهم الحُكَّام، سائسيهم صلَفًا وتضليلًا، كانوا يَسوسونهم بتعاليم كُتُبٍ دينية محلية، عقيدتُها أَن "الشعوب تَشقى وتَسعَد بقضاءٍ وقَدَر".
جاء فاتحٌ من الشرق احتلَّ مدينة نِبَال وكل بلاد هيرُوس، فرضِيَ الشعب خانعًا وفْق عقيدة "بقضاءٍ وقَدَر"، ثم جاء فاتحٌ من الغرب واحتلَّ البلاد فرضِيَ الشعب خانعًا وفْق عقيدة "بقضاءٍ وقَدَر". وتقهقرَت البلاد عامًا بعد عامٍ: انتشَر فيها الفقر والجوع، وهاجمتْها أَوبئةٌ قاتلة من كلِّ نوع، والشعبُ خانعٌ خاضعٌ راضٍ مكسُورٌ مهمومٌ مقتنعٌ بتعاليم الحكَّام الشيوخ أَنَّ كلَّ ما يصيبه ويصيب البلاد إِنما يتمُّ "بقضاءٍ وقَدَر"، لذا "كانوا يُطأْطئُون رؤُوسهم طوعًا وحُزنًا ويسترحمون الله".
ذات ليلة شَبَّ في أَحياءٍ كبرى من المدينة حريقٌ كبير قضى على ما فيها فاستحالت تلك الأَحياءُ "ركامًا تحت سقوف هاوية وبين جدران متهدِّمة". وحين استيقظ المواطنون صباحًا، ردَّدوا بحُزن وأَسى: "صَدَقَ حكَّامُنا الشيوخ المباركون: ما يُصيب بلادَنا هو حقًا بقضاءٍ وقَدَر".
المصدر: الشاعر هنري زغيب عن كتاب أمين الريحاني "سجل التوبة"
إقرأ أيضاً
للمزيد              
أيضاً وأيضاً





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق