الخميس، 7 أبريل 2022

• قصة نجاح: مهنتي بطلة


سليمة
سواكري

سألت المعلمة التلاميذ:  ماذا تريدون أن تصبحوا في المستقبل؟

فأجابت الصغيرة سليمة ذات الأعوام التسعة:  أريد أن أصبح بطلة!

قالت المعلمةبطلة ليست مهنة يا صغيرتي.

عادت سليمة إلى البيت حزينة، وحكت لأمها ردّ معلمتها في الفصل، وقالت بعناد : أنا أريد أن أعمل بطلة عندما أكبر، ابتسمت والدتها بحنان لهذا الإصرار البريء بينما سليمة تنظر لإخوتها الذين يستعدون للذهاب للنادي لممارسة رياضة الجودو.

قالت سليمة لإخوتها: أريد أن أذهب معكم للتمرّن على رياضة الجودو.

أجابوها:  أنت فتاة ولن تستطيعي ممارسة هذه الرياضة، وأقرب قاعة رياضية تبعد عن المنزل بحوالي عشرة كيلومترات، وكل مَن يرتادها من الفِتيان.

قاطعت والدتهم حديثهم قائلة:  هذه الرياضة يا أبنائي هي رياضة العائلة فأنتم جميعًا تمارسونها، سوف تذهب سليمة للتمرّن معكم من الآن فصاعدًا.

كانت سليمة فتاة وحيدة بين خمسة فتيان، ودائمًا ما تساءلت بينها وبين نفسها : لماذا لديهم مزايا عنها، كالخروج من المنزل، واللعب في أي وقت، وفي أي مكان، والقيام بأمور كثيرة لا تقوم بها؟ فقط لأنها فتاة؟!  كانت آنذاك في حالة تحدٍّ دائم لتثبت لإخوتها أنها قوية مثلهم ولا فرق بينها وبينهم، فكانت تلعب ألعابهم وتمارس شقاوتهم، بل إنها ذات مرّة قصّت شعرها الجميل ليصبح مثل شعر الصبيان، وأسمَت نفسها (سليم)، معتقدة أنها بهذه الطريقة تزيل الفوارق بينها وبينهم.

ورغم بُعد قاعة الرياضة عن البيت بعشرة كيلومترات، وضعف الإمكانيات المادية لعائلة سليمة إلا أنها حرصت على الالتزام بمواعيد التدريب الذي كانت تذهب إليه مشيًا على الأقدام.

أحبّت سليمة رياضة الجودو وتعلّقت بها كثيرًا، وبينما انسحب إخوتها واحدًا تلو الآخر من ممارسة هذه الرياضة مع مرور الوقت، ظلّت هي متشبثة بحلمها، لأن الجودو بالنسبة لها لا يعني التفوّق فحسب، بل كان وسيلة لإثبات الذات، وكان كذلك وسيلة للسفر إلى كثير من المدن الجزائرية التي تُقام فيها المباريات.

وعبر السفر، تعرّفت سليمة على عالم جديد خارج الحيّ الشعبي الذي تقطن به، وكوّنت العديد من الصداقات، واكتشفت ملامح جديدة لوطنها الجزائر عبر زيارة المدن الجزائرية، والتعرّف على عاداتها ولهجاتها المتنوعة.

تفوّقت سليمة في الجودو، وكانت تهزم الفِتية في التدريبات لبنيَتها القوية وحركاتها الرشيقة والذكية . وقد لفتت انتباه مدرّبيها واحترامهم، كذلك بدأت تحظى بشعبية كبيرة في حيِّها وبين صديقاتها في المدرسة، فقد أصبحت بالنسبة لهن الفتاة الخارقة التي تقوم بحمايتهن والدفاع عنهن، ويحسب لها الصبيان والشباب ألف حساب.

 وفي سنة 1986  جاء اليوم المشهود عندما فازت سليمة بأوّل ميدالية لها في البطولة الوطنية للجودو في فئة الأشبال، ثم توالت الميداليات، وفي عام 1990  التحقت بالفريق الوطني وهي في سن السادسة عشرة، ولم يكن التحاقها سهلاً.

في ذلك الوقت كانت هناك دورة دولية مهمة لرياضة الجودو على وشك أن تنتظم في مدينة (بجاية) الجزائرية. ولأن هذه الدورة كانت تخصّ فتيات أكبر سنًا، وبسبب غياب سليمة المتكرر عن التدريب لظروف دراستها، فقد قرّر مدربها منعها من السفر مع الفريق ومن المشاركة في هذه الدورة الدولية.

وكان أن عادت الى المنزل حزينة ومحبطة، وروت لوالدتها رفض المدرب مشاركتها في الدورة، فأعطتها والدتها مبلغًا من المال كان مخصصًا للمصاريف الشهرية للأسرة، وقالت لها:  حلّقي نحو حلمك.

سافرت سليمة إلى مدينة (بجاية) حيث تعقد الدورة الدولية لرياضة الجودو، ووجدها مدرّبها أمامه فأُعجب بإصرارها وشغفها، وتركها تشارك في المنافسات، فتفوّقت وتألّقت ونالت إعجاب المسؤولين الذين تساءلوا:  من تكون تلك الفتاة الصغيرة التي وصلت إلى النهائي، وتُوّجت بالميدالية الفضية ضد منافستها الإسبانية التي كانت بطلة أوروبا آنذاك؟! وهكذا بدأت سليمة مسارها الدولي في البطولات وهي لا تتعدّى سنّ السادسة عشرة.

 وفجأة تغيّرت ظروف الجزائر الأمنية  في التسعينيات، وفي ظل هذا الوضع الخطير اعترض والداها على استمرارها في ممارسة رياضة الجودو خوفًا عليها، وقد تلقّت الأسرة صدمة كبيرة عندما قُتل اثنان من أشقّاء سليمة، لكنها ورغم ذلك قررت مواصلة مشوارها الرياضي ولم تستسلم أو تخضع للظروف العصيبة التي مرت بها البلاد، ونجحت سليمة في أن تكون منارة أمل ومصدر فخر وفرح وطني بإنجازاتها وبطولاتها أثناء عزلة الجزائر عن العالم في تلك الفترة الصعبة.

 ومرّت السنوات وتوالت التتويجات والتكريمات والألقاب وعشرات الميداليات التي حصدتها على مستوى أفريقيا والعالم.

هكذا حققت سليمة الفتاة الصغيرة حلمها وأصبحت بطلة، ورفعت راية الجزائر عاليًا في المحافل الدولية، وكانت خير سفيرة للرياضة الجزائرية، ورائدة من رائدات الرياضة النسائية في الوطن العربي.

 ولم تتوقف سليمة سواكري لحظة عن العطاء وحب الخير للآخرين مؤمنة بأن الإرادة تصنع البطولات، ومازال نضالها مستمرًا خارج بساط الجودو الأحمر نظرًا لتوَّليها العديد من المناصب والمسؤوليات في وطنها الجزائر.

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة مخيبة: جيسيكا في المتحف الإيطالي

قصة نفسية: أبخل امرأة في العالم

قصة للأطفال: السلحفاة السريعة

قصة ملهمة: عندما أسرعت العقارب

قصة للأطفال: نجمة في أعماق البحر

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق