الثلاثاء، 12 أبريل 2022

• قصة مُخَيِّبَة: ذابت بِفمه مثل السكّر


البوظة

كان يومًا قائظًا شديد الحرارة، والشمس تُسدِلُ أشعّتها على أجسادنا بِلا استحياء فتوقظُ في عروقنا اللهيب، وتلك الخيام البيضاء المنسدلة على الطرقات، والتي تتهيّأ لِلمواسم كلّها بِموقفٍ ثابت تشي بِهشاشة أعمدتها المعدنية وقماشها المشدود الذي لن يتمكّن من إيقاف تسلّل لهيب الصيف إلى الداخل.

 أتيتُ مع عائلتي قبل ثلاث سنوات إثر حرب اندلعت في بلادي، عندما قرّرنا الهجرة إلى مكانٍ آمن لم نجد أوسع من هذه الأرض الكريمة لِتحتوينا بعيدًا عن الدمار والحطام وأصوات القنابل.

انا أيهم وعمري اثنا عشر، عامًا أسكن في مخيّم لِمنكوبِي الحروب، وأعمل مع أبي في توزيع المياه على اللاجئين.

أخي يوسف يحبّ المثلّجات، وفي كلّ موسم صيف لهّاب، يبدأ نُواحه وتذمّره لِعدم توفّر هذه الرفاهية في هذا المخيم.

وإذا أردتُ أن أبتاع له ما يريد يجب أن أنتظر حتى انتهاء توزيع المياه مع أبي لِأتوجّه إلى سوقٍ بعيد عن المخيّم، وإن أفلحت محاولاتي بِتصبيره لِنهاية اليوم لن أنجح في إتيانه ما يريد، حيث إنّ محلّات المثلّجات تكون قد باعت جميع ما لديها في الثلّاجة.

أخذ يوسف يبكي بِحرقة ذلك اليوم، وأتعب والدتي معه ولم نستطِع تصبيره بِحلوى أخرى تسدّ مكان حلمه بأِكل "المثلّجات"، حينها شعرت بالضيق على حاله وقرّرتُ أن أعمل بِسرعة وأوفّر الوقت لِأتمكّن من الذهاب إلى السوق قبل أن تنفد المثلّجات.

خرجتُ من الخيمة قبل ساعة من موعد التوزيع اليومي، وأخذت أجري وأسابق الريح ، وقبل أن أغادر همستُ بِأذن يوسف وهو نائم بأنّي سأحضر له اليوم ما يتمنّى.

وأسعفني أبي بِمساعدته إياّي وخروجه المبكّر معي، وبهِذا كنت قد انتهيت معه من العمل في تمام الساعة الخامسة عصرًا، وهذا ما يمنحني ما يقارب الساعة قبل الوصول إلى السوق المنشود.

كان العرق يتصبّب من جنباتي وكأنّ جسدي تحوّل لِشلّال يتدفّق بِقوة ولم أهتم لذلك ولم أراعِ صوت معدتي التي اعتادت على تناول وجبة الغداء في وقت محدّد، وأخذت قدماي تتلاحقان كعجلات درّاجة ناريّة، حتى وصلتُ إلى وجهتي وأنا ألاحق أنفاسي، وأطارد الثلّاجة بِنظراتي حتى اطمأنّ قلبي لِوجود ما أريد. اشتريتُ أربع قِطع من المثلّجات وعدتُ كما أتيتُ، حتى وصلتُ باب الخيمة وأخذت أنادي على يوسف بِصوتٍ مبحوح وجسد يرتجف حتى خرجت الكلمات من فمي متلعثمة، وعندما خرج يوسف وأمّي لِيَريا ما الذي يحدث معي، تمالكتُ نفسي ووجّهت كيس المثلجات أمامه وانحنيتُ ألتقط أنفاسي لِأخبره باِلغنيمة التي ينتظرها منذ أيام.

ركض يوسف وهو يقهقه فرحًا لِيلتقط الكيس بِسرعة البرق، وما إن أخذه وتحسّس ما بداخله حتى انفجر من البكاء.

تعجّبنا لِأمره فأخذتْ أمّي الكيس من يده وقالت: لقد ذابت المثلّجات.

شعرتُ بأنّ صدري ينفجر من القهر على أخي، وشاركته البكاء وأنا أحتضنه إلى قلبي. سمعت صوتًا يقول مِن خلفنا (أعطني إيّاها أضعها في ثلّاجة المركز حتى تتجمّد)، كان صوت الضابط المسؤول عن تنظيم دخول اللاجئين، شعرتّ بأنّ هديّة من السماء وقعت على قلبي فأخذتُ الكيس وأعطيته إيّاه، وبقي يوسف ينتظر لحظة تلقّيه لِمثلّجات حقيقية. تناولتُ الغداء وأنا أراقب باب الخيمة بِانتظار الضابط، وبعد ساعتين فقط سمعت صوته يناديني كي أخرج، فرافقني يوسف يعدو أمامي لينقضّ على الكيس ويفتحه وهو مسرفٌ في سعادته وتذوّق أوّل حبّة مثلجات، ورأيتُها «تذوب بِفمه مثل السكّر».

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة للأطفال: النحلة الممتنة والطقلة زينب

قصة مخيبة: حكاية ليس لها نهاية

قصة نجاح: مهنتي بطلة

قصة عجيبة: بريكييو يعود من جديد

قصة للأطفال: أنا وصديقي وشجرة الباولونيا

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق