السبت، 6 أغسطس 2022

• قصة للأطفال: ربطةُ العنقِ الشّقيةُ


جزاء

ذات مساء عاد السيد باكستر إلى منزله، وقد اشترى ربطة عنق جديدة أصلية، وبثمن باهظ. ظهر السيد باكستر سعيداً جداً عندما استحسنت زوجته ربطة العنق الجديدة التي على شكل فيونكة (بابيون)، ولونها أصفر براق، وبها نقط أرجوانية كبيرة، وقالت له:

كم هي جميلة ورائعة، كما أنها تناسبك.. فَرَدَّ عليها السيد باكستر بفخر: «أظن أني سأرتديها الليلة، ونحن ذاهبان للعشاء».

استعدَّ السيد باكستر للخروج، فأخذ حماماً دافئاً، وارتدى قميصاً أبيض نظيفاً، وبنطالاً، وحذاء، وجورباً جديداً، ووقف يتأمل نفسه جيداً في المرآة، وراح يضع ربطة عنقه الجديدة، وهو يحدث نفسه قائلاً:

«شدَّها بهذا الشكل... آه... هكذا أصبحت جميلة... كم أنا شديد الأناقة»...

ولكنه سمع صوتاً يقول له: شديد الأناقة... ها ها؟!

قال السيد باكستر: ماذا..؟

فأكملت ربطة العنق قولها: إنك تبدو سخيفاً..

فقال السيد باكستر: عفواً... ماذا تقولين؟..

قالت ربطة العنق: «إنك تبدو واحداً من أسوأ الناس مظهراً ممن رأيتهم في حياتي على الإطلاق»!...

فصرخ السيد باكستر ينادي زوجته ماري وجاء صوته من الحمام منطلقاً... ماري... ماري.. ربطة العنق كانت تتحدث إليّ، وأخبرتني أن مظهري يبدو سيئاً...

كانت السيدة باكستر مشغولة في المطبخ؛ تُعِدُّ طعام العشاء للأطفال، ولم تستطع سماع السيد باكستر جيداً، فأجابته قائلة: حسناً... ارتدِ شيئاً آخر يا عزيزي، وراحت تُقَدِّمُ شرائح اللحم للأطفال..

تَعَجَّبَ السيد باكستر من قولها سائلاً: ماذا...؟ ثم قال: حسناً... ونزع ربطة العنق، وارتدى بدلاً منها ربطة عنقه المفضلة؛ ذات اللون الأزرق الشاحب التي كانت خالية من أيّ نقط ومن أيّ لون.

وفي الصباح التالي عندما كانت السيدة باكستر تنظف المنزل وجدت ربطة العنق الجديدة ملقاة على المنضدة حيث تركها السيد باكستر، فتأملتها قائلة: يا لجمالها... ولم تتذكر أي شيءً آخر بخصوصها... فأخذتها، ووضعتها في شعرها وحدثت نفسها قائلة: «أظن أنها تناسبني.. سأرتديها في الظهيرة عندما أذهب للتسوق» عندئذ لم تستطع ربطة العنق الصمت أكثر من ذلك بل تحدثت إلى السيدة باكستر قائلة: لكن أنفك طويل جداً...

فقالت السيدة باكستر: عفواً... من يتحدث إلي؟ وماذا يقول؟.. فأكملت ربطة العنق كلامها قائلة:

إنه يشبه السجق، وعيناك صغيرتان جداً أيضاً، وتشبهان الزبيب المتعفن...

قالت السيدة باكستر:... ماذا.. ماذا تقولين؟

قالت ربطة العنق: إن وجهك من أقبح الوجوه التي رأيتها في حياتي..

صرختْ السيدة باكستر، ونزعتْ ربطة العنق التي على شكل فيونكة من شعرها بأسرع ما استطاعت، ورمتها، فوقعت على أرضية الصالة...

قرَّرَتْ السيدة باكستر الخروج لتصفيف شعرها، وتركت ملحوظة بذلك لولدها مايكل... وفور أن حضر مايكل من المدرسة في الرابعة بعد الظهر مثل كل يوم.. نادى:.. هل يوجد أحد بالمنزل؟.... ولما لم يتلق جواباً، دخل سريعاً إلى المطبخ حيث تترك له أمه الرسائل عادة على مائدة المطبخ، ووجد هناك رسالة بالفعل تقول: «ذهبتُ لأصفف شعري، سأعود سريعاً، هناك تفاحات طازجة في طبق الفاكهة»... «أمك ماري».

قام مايكل بعد ذلك بأخذ تفاحة، وبدأ في قطمها، عندئذ شاهد ربطة العنق على أرضية الصالة، فالتقطها وهو يقول ما أجمل هذه الربطة... سأرتديها غداً وأنا ذاهب إلى المدرسة.

فردتْ عليه الربطة بسرعة قائلة: لا تكن سخيفاً... قال مايكل: ماذا... من الذي يتحدث...؟ فأكملت الربطة كلامها قائلة:

رأسك يشبه سلة قمامة ذات غطاء أعوج مكسور...

فرد مايكل بغضب: اخرجي من منزلنا... ولكنها استمرت في كلامها الجارح قائلة له: بقية جسمك غير متناسق أيضاً... فإذا أردت أن تعرف الحقيقة كاملة... وهنا قاطعها مايكل قائلاً: أنا لا أحتاج إليك لتخبريني بالحقيقة.. وقذفها بعيداً بأقصى ما استطاع، وانطلق خارجاً على دراجته في جولة طويلة.. طويلة...

عندئذ دخلت سوزي أخت مايكل الصغرى إلى المنزل، وبمجرد دخولها رأت ربطة العنق التي على شكل فيونكة ملقاة على الأرض، فالتقطتها قائلة: ما هذه الربطة البديعة؟... فردت الفيونكة سريعاً: ولكنك أنت لست كذلك.. فسألتها سوزي: هل قلت شيئاً؟... أكملت ربطة العنق قائلة: «إن لك وجهاً يشبه المخدة المحشوة، وأذناك مثل يدي الإناء، بارزتان من جانبى رأسك...».

فأجابتها سوزي: أنت أيضاً لا تروقين لي...، وقذفتها بعيداً، وذهبت لغرفتها لتقرأ كتاباً جيداً...

دخلت السيدة باكستر إلى المنزل، وعندما رأت ربطة العنق تذكرت وقاحتها... وقالت: سأعلقها في رقبة كلبنا ابنزر، وهي لن تجرؤ على قول أي شيء بعد ذلك... ونادت على ابنزر، وكان كلباً وديعاً.. لطيفاً، وعلقت الفيونكة في رقبته، ثم ربتت على الكلب وقالت: هذا هو مكانها الصحيح... ولكن ربطة العنق قالت معلقة على وضعها الجديد: ما هذا الكلب سيئ الرائحة... إن رائحته مثل الكرنبة المطهوة حتى الاحتراق.. لا.. لا.. بل رائحته تشبه رائحة زوج من الجوارب القديمة... فصاح ابنزر: ووف... ووف... ونزع ربطة العنق من رقبته، وأخذ في تمزيقها، وجرى أسفل الكنبة في الغرفة الأمامية، ولم يظهر ثانية طوال الليل...

كانت القطة دافني هي آخر عضو في عائلة باكستر، وهي الوحيدة التي لم تتعامل مع ربطة العنق الجميلة الوقحة... فلما وجدتها ملقاة بعد أن آذت مشاعر ابنزر بعباراتها السخيفة... اقتربت منها بهدوء وظلت تعبث بها، وأرادت أن تضعها حول عنقها... ولكن ربطة العنق لم تمهلها بل قالت لها: أنت أيتها القطة القبيحة التي تشبه الجبنة المهروسة... بل أنت أشبه بممسحة الأرض الحولاء... ماذا تريدين أن تفعلي؟!...

ماءت القطة... ميو... ميو... وأسرعت تجري غاضبة بعد أن تركت ربطة العنق...

رقدت القطة تحت أطول شجرة في الحديقة، ورفضت أن تأتي إلى المنزل ثانية، حتى عندما جاء ميعاد عشائها لم يستطع أحد إقناعها بالدخول...

وهنا جمع السيد باكستر أفراد عائلته وقال لهم: «إنه يكفي ما حدث لهم حتى الآن من ربطة العنق تلك... لقد أهانت كل واحد منهم تقريباً، فهي مزعجة بالفعل، فبالرغم من أنها جميلة، وقادرة على الكلام إلا أنها لم تحافظ على تلك المنح التي أُعطيت لها.. وقامت بالسخرية من الآخرين، واعتقدت أنها الأفضل والأجمل، والأبهى منهم جميعاً لذا يجب أن نعطيها درساً تتعلم منه.. فمن لا يحافظ على النعم التي مُنحت له، تزول من وجهه»...

وعلى الفور تناول السيد باكستر ربطة العنق التي على هيئة فيونكة جميلة، ووضعها في الثلاجة؛ في الجزء الذي يصل إلى درجة التجمد بجوار بعض الأسماك المجمدة، وتركها هناك لمدة ثلاثة أيام، وثلاثة ليال طوال... طوال.. وعندما أخرجها بعد مرور تلك الأيام لم تتحدث ربطة العنق بكلمة سوء ثانية... أبداً...

تأليف: موريس لوري،  ترجمة: د. إيمان سند

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة للأطفال: النسر والأوزة الصغيرة

قصة للأطفال: الرّسّام الصغير

قصة للأطفال: حصة التعبير

قصة للأطفال: رياض والمرفأ

قصة للأطفال: السودان والشمس الساطعة

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق