الأحد، 8 مايو 2022

• قصة للأطفال: الرسامة الصغيرة


تقبّل الذات

طلبتْ المعلمةُ من التلميذاتِ أنْ يَرْسُمن لوحاتٍ للمعرضِ الذي تُقيمهُ المدرسةُ كلَّ عامٍ قبلَ نهايةِ السّنةِ الدراسيةِ.

أحضرتْ هيا الألوانَ والورقَ، وجلستْ ترسم...   

هتفتْ أمُّها حينَ دخلتْ غرفتَها:

ما هذا؟ إنّها لوحةٌ جميلةٌ جداً يا هيا، لكن ألا تعتقدين أنّكِ نسيتِ شيئاً مهماً؟

تساءلتْ هيا: ما هو؟

قالت أمها: النمشُ الظريفُ فوقَ أنفِ اللعبةِ.

قالتْ هيا بدهشةٍ: نعم، أنتِ على حقٍ يا أمُّي.

تناولتْ هيا قلَمَها البرتقالي وزيّنتْ وجهَ اللعبةِ بنمشٍ جميلٍ.

حازتْ لوحةُ هيا أعلى علامةٍ في الصّفِ واختارتْها المعلمةُ للعَرْضِ في صالةِ المدرسةِ الكبيرةِ.

كانت هيا تتجوّلُ في المعرضِ بخطواتٍ خفيفةٍ، وهي تشعرُ بالفخرِ لإنْجَازِها الجَميلِ، اقتربتْ من لوحتِها، فرأتْ تلميذاتِ المدرسةِ وقد تجمَّعنَ حَولَها، أحسّتْ بالسعادةِ تَغمرها، لقد تحققَ حلمها بأنْ تكونَ رسّامةً مشهورةً!

 رأتْ هيا الفتياتِ يتهامسنَ ويضحكنَ بأصواتٍ خافتةٍ. أنصتتْ، فسمعتْ إحداهن تقول: إنّ هيا قد رسمتْ نفسَها، إنّها تشبهُها جداً. الوجهُ البشعُ ذاته، والنمشُ الكريهُ نفسه.

قالت أخرى: انظري، حتّى شعرها الأجعدَ المنكوشَ، كيفَ استطاعتْ أنْ ترسمَ نفسَها؟

لم تجرؤ هيا على التلفظ بكلمةٍ واحدةٍ، جمَّدتها المفاجأةُ في مكانِها، وأحسّتْ بدموعها تنفرُ من عينيها بقوةٍ. انسحبتْ بخطواتٍ سريعةٍ، وهي تحاولُ إخفاءَ دموعِها.

وقفتْ أمامَ المرآةِ وحدّقتْ بوجهها وتَساءلت: «هل حقّاً أنا بشعة؟» وتحسستْ شعرَها، كانتْ تراهُ ناعماً جميلاً قبلَ الآن، لم تعرفْ أنّ الشعرَ الأجعدَ بشعٌ. دخلتْ غرفتَها وهي تحسُّ بألمٍ في معدتها، ثمّ شعرتْ أنّ الألمَ في يديها! اندسّتْ في فراشِها، وخبّأتْ رأسَها، وغفتْ.

عادتْ هيا للتحدّيقِ في المرآةِ، فرأتْ النمشَ في وجهها يكبرُ، وفمها يتسعُ، وعَيْنيها تَجْحَظانِ! بكَتْ بشدّة. جاءتْ أمُّها مسرعةً، لمستْ جبينها، فوجدتْ حرارتَها مرتفعةً... أعطتْها جرعةَ دواءٍ، وطلبتْ منها أنْ تنام.

في اليومِ التالي ادّعتْ أنّها مريضةٌ، ورفضتْ الذهابَ إلى المدرسةِ، وحينَ حضرَ الطبيبُ وفحصها، همسَ لأمها: ابنتك لا تشكو من شيءٍ، إنّها سليمة، حاولي أنْ تعرفي ممَ تخافُ.  

أغلقتْ والدةُ هيا البابَ، وقالتْ :لم تحدثيني يا هيا عن المعرض!

اضطربتْ هيا ولم تعرفْ بماذا تجيبُ أمّها، هل تقولُ لها إنّها رسّامةٌ فاشلةٌ، وإنّ لوحتَها لمْ تُعجب رفيقاتها؟ وإنَّ البنات في المعرضِ سخرنَ منها؟

قالت أمُّها: الطبيبَ يقولُ إنّكِ لا تشكين من أي مرضٍ، وعليكِ أن تذهبي غداً إلى المدرسةِ، هيا انهضي من فراشكِ، اكتبي واجباتك، واحفظي دروسك.

نفَّذتْ هيا أوامرَ أمها بصمت... وحينَ رتَّبتْ حقيبتها، أخرجتْ الأقلامَ الملونةَ، ووضعتْها في الدرجِ وأغلقتهُ.

لاحظتْ جدتُها خلالَ الأيامِ التاليةِ أنّ هيا فقدتْ حيويتَها، وبدا وجهُها شاحباً. كانتْ تدرسُ بهدوءٍ، وتجلسُ إلى المائدةِ وهي تنظرُ في صحنِها، ثمَّ تنسحبُ إلى غرفتِها من دونَ أن تسألَ أسئلتَها الكثيرةَ المعتادة. وتوقفت عن نقلِ أخبارِ المدرسةِ أثناءَ تناولها الطعامَ. فسألتها: ما رأيكِ أنْ نذهبَ في نزهةٍ يا هيا؟  

قالتْ هيا: الجوُ باردٌ يا جدتي.

ابتسمتْ جدتُها: الشمسُ مشرقةٌ، والمشي في هذا الجو جميلٌ جداً، ثمَّ أنا بحاجةٍ إلى رفيقةٍ، لا أريد الذهابَ وحدي، هل تتركينَ جدتك وحدَها؟

نهضتْ هيا، وارتدتْ ثِيابها مِن دونِ حماسٍ، ورافقتْ جَدَتَها.

شعرتْ ببعضِ النشاطِ عندما لسعتْ النّسماتُ الباردةُ خَديها، وضعتْ يَديْها في جيبها تلتمسُ الدفءَ، فقالتْ جدتها: اركضي يا هيا.

قالتْ هيا باستغرابٍ: ولكنكِ لن تستطيعي الركضَ يا جدتي!

قالتْ جدتها: اركضي وحدكِ، وأنا سأمشي على مهلٍ.

راحتْ هيا تركضُ مسافةً قصيرةً ثمَّ تعودُ إلى جدتِها وقد احمرّ خداها، تدريجياً أحسّت أنّها تخلصتْ من حزنِها وقَلقِها، شبكتْ يدَها بيدِ جدتها، وقالتْ: جدتي، أريدُ أنْ أخبركِ أمراً.

وحكتْ لجدتها ما حدث في المعرضِ. قالتْ جدتُها: إذن الفتياتُ سخرن منَ النمشِ الجميلِ في وجهِ لعبتك؟

قالتْ هيا: بل في وجهي، قلن إنّي بشعةٌ. وسخرن من شعري أيضاً!

نظرتْ الجدَّةُ إلى حفيدتها بإعجابٍ، وقالتْ: ها قد وصلنا إلى البيتِ، تعالي، سأريكِ شيئاً جميلاً.

فتحتْ الجدَّةُ صندوقَها، وأخرجتْ صورةً قديمةً ملونة، قالت هيا: يا الله ما أجملَها، منْ هذهِ يا جدتي؟

قالتْ جدتها: هذه فطوم المغربية، كانتْ امرأةً مشهورةً بجمالها.

أحسّتْ هيا بسعادةٍ غامرةٍ، وبثقةٍ تملأُ نفسَها حبوراً. ليستْ الوحيدةُ التي تملكُ شعراً أجعدَ، ونمشاً في وجهها، فالجميلاتُ يزينهنَّ الشّعرُ الأجعدُ والنمشُ. تَعلّمتْ هيا مِن جَدَتِها أنْ تُحبَّ نَفْسَها كما خلَقَها الله، فَقَدْ خَلَقَ الإنسانَ في أَحْسَنِ تَقويم.

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة للأطفال: ما سرُّ هدوء هادي

قصة للأطفال: نبتة الشجاعة

قصة للأطفال: الدجاجة البنية

قصة للأطفال: أريد أن أكون شاعراً

قصة للأطفال: رشا وأمها الخنساء

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق