الجمعة، 11 أكتوبر 2013

• قصة للأطفال: ماذا فعلت الغربان؟

حَدَثَ هَذِهِ السَّنَة أَنَّ الغَابَةَ أَصَابَهَا الجَفَافُ، لَمْ تَهْطُلْ قَطْرَةُ مَطَرٍ وَاحِدَةٍ، النَّهْرُ  تَوَقـَّفَ عَنِ الجَرَيَانِ، فَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ أَعْشَابٌ خَضْرَاءُ، جَمِيعُ الحَيْوَانَاتِ مُهَدَّدَةٌ بِالجُوْعِ، المُؤَنُ تَكَادُ تَنْفَد، صَارَتِ الحَيَاةُ صَعْبَة جِدَّاً.

في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ حَدَثَ مَا لَمْ يَتَوَقَّعْهُ أَحَدٌ.
اِسْتَيْقَظَ الجَمِيْعُ عَلَى أَصْوَاتٍ مُخِيفَةٍ، لَقَدْ أَغَارَتْ عَلَيْهِمْ جَمَاعَاتٌ مِنَ الغرْبَانِ، تُكَسِّرُ أَغْصَانَ الأَشْجَارِ، تُشْعِلُ النِّيْرَانَ، تُحَطِّمُ الأَعْشَاشَ، تَنْهَبُ بَقَايَا المُؤَنِ.
دَبَّ الخَوْفُ بَيْنَ سُكَّانِ الغَابَةِ، وعلى الرُّغْمِ مِنَ الخُصُوْمَاتِ الَّتِيْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ، فَقَدْ نَسُوا كُلَّ شَيْءٍ، هَبَّوا جَمِيْعَاً لِلدِّفَاعِ عَنْهَا، وَمُلاحَقَةِ الأَشْرَارِ، والإِمْسَاكِ بِهِم، قَبَضُوا عَلى الكَثِيْرِ مِنَ الغرْبَانِ، الَّذِيْنَ جَاؤُوا مِنْ غَابَاتٍ مُجَاوِرَةٍ، فَتَمَّ تَقْييدهُمْ إلى جُذُوعِ الأَشْجَارِ، لَمُحَاكَمَتِهمْ أَمَامَ الجَمِيْعَ.
كَانَ القَاضِيْ غَزَالاً ذَكِيَّاً، نَظَرَ إِلَى الغرْبَانِ المُقَيَّدِة، صَاحَ بِغَضَبٍ: أَنْتَ أَيُّهَا الغُرَابُ النَّحِيْلُ، اِرْفَعْ رَأْسَكَ.
عِنْدَمَا رَفَعَ الغُرَابُ رَأْسَهُ، دُهِشَ الجَمِيْعُ، إِنَّهُ وِاحِدٌ مِنْ طيوْرِ غَابَتِهِمْ، كَانُوا يُحِبُّوْنَهُ، وَيَثِقُوْنَ بِهِ.
قَالَ القَاضِيْ بِغَضَبٍ: أنْتَ أَيُّهَا الجَارُ مَنْ فَعَلَ بِنَا هَذَا؟! تَهْجِمُ عَلَى بُيُوْتِنَا، تُكَسِّرُ أَغْصَانَ أَشْجَارِنَا، وَتُشْعِلُ النِّيْرَانَ، أَتْعَلَمُ مَاذَا فَعَلْتَ؟ لَقَدْ حَطَّمْتَ عُشَّكَ، قَتَلْتَ فِرَاخَكَ، خَرَّبْتَ أَعْشَاشَ أَصْدِقَائِكَ، بِئْسَ الجَارُ أَنْتَ.
اِنْهَالَتْ دُمُوْعُ الغُرَابِ بِغَزَارَةٍ، لَطَمَ عَلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ يَصِيْحُ: قَتَلْتُ فِرَاخِيْ؟! يَا إِلَهِيْ مَاذَا فَعَلْتُ؟! لَقَدْ كَانَ الظَّلامُ شَدِيْدَاً فَلَمْ أُمَيِّزْ أَيَّ عُشٍّ أُحَطِّمُ، أَوْ أَيَّ مَكَانٍ أَنْهَبُ، يَا لقَسْوَتِيْ! كَيْفَ لِيْ أَنْ أُسَامِحَ نَفْسِيْ؟
قَالَ القَاضِيْ: أَيُّهَا الغُرَابُ! مَاذَا قَبضْتَ، حَتَّى فَعَلْتَ بِنَا هَذَا؟
رَدَّ الغرَابُ بِصَوْتٍ مَخْنُوْقٍ: سَيِّدِي القَاضِيْ: هَؤُلاءُ الأَشْرَارُ هُمْ سَبَبُ البَلاءِ، لَقَدْ اِسْتَغَلُّوا حَالَةَ فَقْرِي، أَغْرَوْنِي بِكَثِيْرٍ مِنَ الحُبُوْبِ، والمُكَسَّرَاتِ، فَفَعَلْتُ مَا أَمَرُوْنِيْ بِهِ، لَكِنْ، وَاخَجَلاهُ مِنْ نَفْسِيْ! مَا تَوَقَّعْتُ أَنَّنِيْ سَأَقْتِلُ فِرَاخِيْ بَيَدِيْ فَيْ ظُلْمَةِ الليْلِ، وأُسِيْءُ إِلَى أَهْلِيْ، أُسَبِّبُ الخَوْفَ لإِخْوَتِيْ، وجِيْرَانِيْ وَأَصْدِقَائِيْ.
 ورَاحَ يَبْكِيْ بِقَهْرٍ، وَهُوَ يَقُوْلُ: اِفْعَلْ بِيْ مَا تَشَاءُ ـ سَيِّدِيْ القَاضِيْ ـ فَإِنَّنِيْ أَسْتَحِقُّ أَشَدَّ العِقَابِ.
قَالَ أَرْنَبٌ صَغِيْرٌ: أَنَا مُسْتَغْرِبٌ مِنْ تَصَرُفِكَ كَثِيْرَاً، كَأَنَّكَ لَمْ تَعِشْ مَعَنَا لَسَنَوَاتٍ طَوِيْلَةٍ، أَلَمْ تَذْكُرْ، حِيْنَ طُلِبَ مِنَّا أَنْ نُهَاجِمَ الغَابَةَ المُجَاوِرَة؟ يَوْمَهَا رَفَضْنْا على الرُّغْمِ من أَنَّهُمْ أَغْرَوْنَا بِالخَسِّ والجَزَرِ والسَّبَانِخِ، نَحْنُ لُطَفَاءٌ، لا نُؤْذِيْ جِيْرَانَنَا مَهْمَا كَانَتِ الأَسْبَابُ.
قَالَتْ سُلحْفَاةٌ كَبِيْرَةٌ: أَنَسَيْتَ أَيُّهَا الغُرَابُ، كَمْ حَزِنَّا عَلَيْكَ عِنْدَمَا هَاجَمَتْكَ مَجْمُوْعَةٌ مِنَ القِطَطِ، وَأَنْتَ نَائِمٌ، فَأَنْقَذَكَ جَارُكَ الضِفْدَعِ، حِيْنَ رَمَاكَ بِحصَاةٍ لِيُوْقِظَكَ، يَوْمَهَا أُصِبْتَ بِعِدَّةِ جُرُوْحٍ، وَنَزَفْتَ دَمَاً كَثِيْرَاً؟
قَالَ أَحَدُ طُيُوْرِ الحَجَلِ الَّذِيْ يُشْبِهُ الحَمَامَ: أَيُّهَا الغُرَابُ! أَلَمْ تَنْتَبِهْ إِلى طَرِيْقَةِ حَيَاتِنَا، نَحْنُ طُيُوْرَ الحَجَلِ، كَيْفَ نَعِيْشُ بِمَحَبَّةٍ كَبِيْرَةٍ؟ أَلَمْ تُشَاهِدْنَا كَيْفَ نَنَامُ، كُلُّ مَجْمُوْعَةٍ مِنَّا تَصْطَفُّ عَلَى شَكْلِ دَائِرَةٍ، رُؤوسُنَا إِلَى الخَارِجِ، وعِنْدَمَا يَشْعُرُ أَيُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِحَرَكَةٍ خَطِيْرَةٍ، يُطْلِقُ صَوْتَاً لِيُنَبِّهَ بِهِ الجَمِيْعَ، كَيْ يَأْخذِوا حِذْرَهُمْ مِنَ العَدُوِّ، فَأَنَا حَزِنْتُ لأَنَّكَ لَمْ تَتَمَثـَّلْ بِنَا، وَضَعِفْتَ أَمَامَ الإِغْرَاءَاتِ التَّافِهَةِ.
صَفَّقَ الجَمِيعُ للمَحَبَّةِ، بَيْنَمَا القَاضِيْ رَاحَ يُصْدِرُ حُكْمَهُ بِالعَدْلِ.
تابعونا على الفيس بوك
إقرأ أيضًا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق