الأحد، 18 مايو 2025

• قصة وعبرة: الصَّيّاد وزوجته الجَشِعة

الطمع يهدم ما يُبنى بالنِّعَم

في قديم الزمان، على حافة بحرٍ واسعٍ لا يهدأ له موج، كان يعيش صيّاد فقير مع زوجته في كوخ ضيق قذر لا يليق بالبشر، بل هو أقرب إلى حظيرة خنازير. لم يكن في بيتهما إلا الفقر والعوز، وكان الصياد يقضي نهاره في البحر، يرمي صنّارته ويأمل أن يعود بصيد يسد به جوعه وجوع زوجته، بينما كانت زوجته، إيزابيل، لا تفتأ تتذمر وتتأفف من سوء حالهما وبؤس عيشتهما.

وذات صباح، جلس الصياد على الشاطئ يراقب لمعان الشمس على سطح الماء، وإذا بخيط صنارته يهتز فجأة ويُسحب بقوة إلى الأعماق. شدّ الحبل بكل ما أوتي من قوّة، وفوجئ بسمكة ضخمة تتلوّى عند الطرف.

لكن، وقبل أن يفكر في بيعها أو أكلها، سمعها تنطق بصوتٍ بشري:
"
أرجوك، أيها الصياد الطيب، دعني أعيش. أنا لست سمكة عادية، بل أميرة مسحورة. أعدني إلى البحر واتركني أذهب حرًّة."

رغم ذهوله، رقَّ قلب الصياد وقال:
"
إن كنتِ تتكلمين، فلستِ رزقًا لي. اذهبْي بسلام، أيتها الغريبة".

وألقى بالسمكة إلى البحر، فاختفت في لحظة تحت الماء، وتركت أثرًا أحمر فوق الموج كأنّه خيط دم.

عاد الصياد إلى زوجته مساءً، وقصَّ عليها ما حدث. انفجرت غاضبة وقالت:
"
تصطاد سمكة ناطقة، وتتركها تذهب دون أن تطلب شيئًا؟! أنظر أين نعيش! في كوخ لا يصلح حتى للبهائم! عد حالًا واطلب منها بيتًا صغيرًا نظيفًا نعيش فيه بكرامة."

رغم تردده، أطاعها وعاد إلى الشاطئ. كان لون البحر قد تغيّر إلى الأصفر والأخضر. وقف عند الحافة ونادى:

"يا رجل البحر، اسمع رجائي،
زوجتي إيزابيل أرسلتني بنداء،
لها إرادة لا تُرد،
وتطلب منك معروفًا يُسد."

ظهرت السمكة وسألته:
"
ما الذي تريده هذه المرة؟"

قال: "إنها تطلب كوخًا صغيرًا مريحًا."
قالت السمكة: "عد إلى بيتك، فقد نالته."

وعندما عاد، وجد الكوخ قد تحوّل إلى بيت لطيف، له حديقة نظيفة، ومطبخ وغرفة معيشة وغرفة نوم، وفي فناءه الخلفي بط ودجاج.

عاش الزوجان في سعادة أيامًا معدودة، ثم قالت إيزابيل:
"
الكوخ صغير، أريد قلعة حجرية فخمة!"

تردد الصياد وقال:
"
ألسنا بخير الآن؟ لماذا نطلب المزيد؟"

لكنها أصرّت، فعاد إلى البحر الذي بدا هذه المرة قاتمًا مائلًا إلى الزرقة الكئيبة. نادى ثانية:

"يا رجل البحر، اسمع النداء،
زوجتي إيزابيل أرسلتني برجاء،
لها مشيئة لا تُخالف،
وتريد منك معروفًا آخر."

فخرجت السمكة وسألته عن المطلوب، فقال:
"
زوجتي تطلب قلعة حجرية."

أجابته: "ارجع إلى بيتك، فهي واقفة على باب القلعة."

ولمّا عاد، وجد قصرًا عظيمًا بأبواب شاهقة، وغرف مزخرفة، وخدم كُثر، وحدائق ممتدة، وحيوانات من كل نوع.

رضي الرجل، لكنه فوجئ بعد أيام بأن زوجته تطلب أمرًا أعظم:
"
أريد أن أصبح ملكة!"

قال بدهشة: "ملكة؟! ألم يكفِك هذا القصر؟!"

قالت بحدة: "اذهب إلى السمكة فورًا!"

فذهب، والبحر قد صار رماديًّا عاصفًا، ونادى بصوتٍ حزين:

"يا رجل البحر، اسمع دعائي،
زوجتي إيزابيل تطلب علاءً من علاء،
أرسلتني إليك برجاءٍ لا يُرد،
فهل تلبي لها هذا المدد؟"

قالت السمكة:
"
ما تطلبه هذه المرة؟"

قال: "تريد أن تكون ملكة."

قالت: "ارجع، فهي ملكة الآن."

وعندما عاد، وجد الجنود مصطفّين، والأبواق تعزف، وزوجته جالسة على عرش ذهبي، يعلو رأسها تاج ملكي، وتحيط بها الوصيفات.

لكن ذلك لم يُشبع طمعها، فسرعان ما قالت:
"
لم أعد أرغب بالملكية. أريد أن أكون إمبراطورة!"

قال الزوج مذهولًا:
"
إمبراطورة؟ هذا كثير جدًا! لن تطيقه السمكة!"

صرخت فيه: "اذهب حالًا، أنا أطلب وأنت تُنفّذ!"

ذهب مجددًا، والبحر قد اسودّ كأنه الليل، والريح تعصف. نادى بصوت يرتجف:

"يا رجل البحر، اسمع التوسل،
زوجتي تطلب مقامًا أكبر من الأول،
أرسلتني إليك بطلب لا يُرد،
فهل تمنحها ما تريد؟"

قالت السمكة: "هي إمبراطورة الآن، فعد إليها."

وعندما رجع، وجدها على عرش عالٍ من الذهب الخالص، تحفّ بها الصفوف من الخدم والحرس، بأحجام متفاوتة، وألقاب متعدّدة.

ولم تمضِ إلا أيّام قليلة، حتى قالت:
"
سأكون البابا!"

صرخ الزوج:
"
البابا؟! لا يوجد سوى بابا واحد! هذا فوق طاقة السمكة!"

لكنها قالت بوقاحة:
"
اذهب إليها فورًا، أو لن ترى صباح الغد!"

فذهب، والبحر في هيجان لم يشهده من قبل، والرعد يصعق، والبرق يشقّ السماء، ونادى وهو يرتعش:

"يا رجل البحر، اسمع الكلام،
زوجتي إيزابيل تطلب المقام،
أرسلتني إليك برجاءٍ عظيم،
فهل تُلبي للبابوية هذا الحُلم؟"

قالت السمكة:
"
لقد أصبحت البابا بالفعل."

فرجع فوجدها تجلس على عرشٍ شاهق، ترتدي ثلاثة تيجان عظيمة، يحيط بها نور كالأبراج، ولهيب كالكواكب، وتحت يدها مفاتيح الكنيسة.

سألها زوجها:
"
هل رضيتِ الآن؟"

قالت:
"
سأفكر..."

وفي الصباح التالي، استيقظت تنظر إلى الشمس وهي تشرق، فصرخت:
"
لماذا لا أستطيع أن أمنع شروق الشمس؟! أريد أن أكون سيدة الشمس والقمر!"

صُعق الرجل وقال:
"
هذا جنون يا امرأة!"

لكنها صاحت:
"
اذهب إلى السمكة! الآن!"

فذهب والرعب يملأ قلبه. كانت العاصفة أقسى من أي مرة. الأمواج تعلو كالجبال، والسماء مظلمة تمامًا، فنادى بصوت بالكاد يُسمع:

"يا رجل البحر، اسمع ندائي،
زوجتي إيزابيل تجاوزت رجائي،
تطلب الآن الشمس والقمر،
فهل تُلبي هذا الخطر؟"

قالت السمكة:
"
ارجع إلى حظيرة الخنازير."

وعاد الصياد ليجد كل شيء قد زال. القصر، العرش، المجد، الخدم، كل شيء. وعادت زوجته إلى كوخها الحقير، حيث بدأ كل شيء وانتهى.

لقد صعد بها الجشع إلى قمم المجد، لكنه أسقطها إلى أدنى دركات الندم. فمن لا يعرف الرضا، عاش في خيبة لا تنتهي.

 إقرأ أيضاً:

قصة وحكمة: السلحفاة والطيور

قصة وحكمة: بيترو برنيني يصنع المجد بالخداع

قصة وحكمة: الماعزان المتناطحان والثعلب الماكر

قصة مثل: على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟

قصة وحكمة: القرد وصيادو السمك

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق