الطمع يُفسد كل حيلة.
كانَ يا ما كانَ، في سالفِ العصرِ والأوانِ، وفي إحدى قُرى نيجيريا العامرةِ بالأنهارِ والأشجارِ، كانت تعيشُ سلحفاةٌ عُرفت بدهائها، واشتهرت بمكرِها وابتداعِها للحيلِ والأفكارِ. لم تكنِ السلحفاةُ تمشي على الأرضِ فحسبْ، بل كانت تمشي على عقولِ من حولِها، تتربصُ بالغفلةِ وتقتاتُ على طيبةِ الأنامِ.
وذاتَ
صباحٍ أطلّت فيهِ الشمسُ على الغابةِ بوجهٍ ضاحكٍ ونسيمٍ عليلٍ، شاعَ في الأرجاءِ
خبرٌ يُطربُ القلوبَ: ملكُ السماءِ سيُقيمُ مأدبةً عظيمةً، دعا لها جميعَ الطيورِ
من كلِّ فجٍّ وصوبٍ. فما إن سمعتِ السلحفاةُ بالنبأِ، حتى احمرّ وجهُ الحسدِ في
قلبِها، وتمنّت لو كانَ لها جناحانِ تُحلّقُ بهما إلى علياءِ السحابِ.
فكّرتْ
ثم دبّرتْ، واحتمتْ بالحيلةِ كما العادةِ، ومضتْ إلى جماعةِ الطيرِ وقالتْ بصوتٍ
عذبٍ ووجهٍ متواضعٍ:
"يا جيرانَ الروحِ وأهلَ
الجناحِ، نحنُ من ترابٍ واحدٍ خُلِقنا، وأرضٍ واحدةٍ سكنّا، فلمْ لا تأخذوني معكم
إلى ديارِ السماءِ؟ أعدكم بأني سأكونُ خيرَ رفيقٍ، وألينَ من النسيمِ، وأصدقَ من الندى."
نظرتِ
الطيورُ بعضُها إلى بعضٍ، وقد علمتْ بسيرتِها الملتويةِ وذكائِها المتقلّبِ، فقالَ
بعضُها: "إيّاكم ومكرَها!"، وقالَ آخرونَ: "لعلها صدقتْ هذه
المرّةَ."
وبعدَ رجاءٍ طويلٍ، وتوسُّلٍ جليلٍ، رقّتْ قلوبُ
الطيرِ، وتعاونتْ على منحها كلَّ طائرٍ ريشةً، فجمعتْها السلحفاةُ وخاطتْ بها
جناحينِ، صعدتْ بهما إلى السماءِ كما يصعدُ الدعاءُ في الليالي الدافئةِ.
وقبيلَ
الرحيلِ، قالتِ السلحفاةُ:
"نحن ذاهبونَ إلى ملكٍ مهيبٍ، وموكبٍ
مهيجٍ، فلا بدّ أن نتحلّى بالأسماءِ الملوكيةِ والكُنى السلطانيةِ. فإني أختارُ لي
اسمَ "كلكم"، فهكذا يسمو الشأنُ ويتساوى المقامُ."
فاستحسنتِ الطيورُ الفكرةَ، واتفقتْ معها على تسميةِ
أنفسِها بأسماءٍ رنّانةٍ بهيّةٍ.
فلما
وصلوا إلى عرشِ الملكِ، وإذا الولائمُ تُبهجُ النظرَ، والأطعمةُ تُسيلُ اللعابَ
وتُدهشُ البصرَ.
وإذْ
بملكِ السماءِ يُنادي على الخدمِ ويقولُ:
"قدِّموا الطعامَ إلى
كلكم!"
فقفزتِ
السلحفاةُ وقالتْ:
"أنا "كلكم"!
فقد خصّني الملكُ بما رزق!"
ثم
مدّتْ يديْها، وانقضّتْ على الأطباقِ تملؤها الزهورُ والتوابلُ، حتى أكلتْ وشبعتْ،
وخلّتِ الطيرَ على الطوى والجوعِ والندمِ.
فغضبتِ
الطيورُ، ورفّتْ أجنحتُها حنقاً، واستردّتْ ريشَها من على ظهرِ السلحفاةِ، فبقيتْ
معلّقةً في السماءِ، لا ظهرَ لها يُقلُّها، ولا جناحَ يذودُها.
فأرسلتِ
السلحفاةُ نداءً إلى الأرضِ، أن يا طيراً من الطيورِ، بلّغوا زوجتي أنْ تُبسطَ ما
لانتْ خيوطُه من القطنِ والريشِ، عسى إنْ سقطتُ، لا تُكسرْ عظامي.
لكنّ
الطيورَ، وقد امتلأتْ قلوبُها غضباً، أوصلتْ إلى الزوجةِ نقيضَ الوصيةِ، ففرشتْ لها
صخوراً وقرميداً.
فما
كانَ من السلحفاةِ إلا أنْ قفزتْ، فهوتْ من أعالي السماواتِ، وارتطمتْ بالأرضِ
ارتطامَ السحبِ إذا تهدّلتْ، وتشققتْ قوقعتُها، وتشوهتْ هيئتُها، وأصبحتْ آيةً
تُروى، وعِبرةً تُتلى، بأنَّ من احتالَ على القومِ في رزقِهم، سقطَ في مكرِه،
وكُسرتْ منه العزّةُ والكرامةُ كما تُكسرُ القواقعُ.
وهكذا
كانتْ عاقبةُ السلحفاةِ، لا لأنَّ جناحيْها لم يثبتا، بل لأنَّ نواياها لم تطهرْ،
وقلوبَ الناسِ لا تُفتحُ لمن أغلقَ قلبَهُ عنهم.
قصة وحكمة: الإسكندر الأكبر تحدى إرث أبيه
قصة وحكمة: وعد الأسد وريبة الأرنب
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق