قصة فرنسية
كانت
إليس تسير عاريةَ الرأسِ بالقربِ من الشاطئِ رغمَ الأمطارِ والرياحِ الباردةِ
لشهرِ فبراير.
كانَ والدُها يقولُ دائماً بأنَّ جزيرتَهمْ هذهِ تتعرّضُ للضربِ القاسِي منْ طرفِ الرياحِ، ومعَ ذلكَ، فقدْ أحبّتْ هذهِ الزاويةَ الصغيرةَ منَ الأرضِ المعزولةِ والبَريَّةِ!! رغمَ أنَّ الشتاءَ لم يَنْتَهِ بعدُ، وكأنَّهُ يتشبّثُ ويقاومُ بشدّةٍ الأيّامَ الرتيبةَ والحزينةَ.
وبَيْنَما
كانت تفكّرُ في الأيّامِ الجميلةِ، وفي الشمسِ الغائبَةِ، رأتْ فجأةً خيالاتٍ
غريبةً ترقصُ في المَوْجِ، جذبتْ انتباهَهَا.
حَبَسَتْ
إليس أنفاسَها وأخذتْ تُحدّقُ في الأفقِ لوقتٍ طويلٍ دونَ أنْ تفهمَ سببَ هذهِ
الحركاتِ غيرِ العاديةِ.
عندما
حلَّ الليلُ، لم تكَدْ تَتَبَيَّنُ تلكَ الأماكنَ المحيطةَ بها، إذْ كانتْ مليئةً
بالغموضِ، ولذلكَ قرّرت العودةَ إلى المنزلِ دونَ مزيدٍ منَ التأخيرِ.
حينَ
دخلتْ إلى البيتِ، كانت العائلةُ قدْ جلستْ لتَوِّهَا إلى طاولَةِ الطعامِ، ولم
تَجِدْ البنتُ وقتاً للاعتذارِ لَهُمْ على نفادِ صبرِهِمْ من انتظارِهَا.
-
لقد رأيتُ أشياءَ غريبةً ترقصُ في الماءِ لِلَحَظَاتٍ.
-
هل سمعتِها تغنّي أيضا؟ قال الجدُّ وقد ظهرتْ عليه
سعادةٌ غيرُ عاديةٍ.
-
تُغنّي؟ سألتْ
إليس.
أخذَ
الأبُ يشرحُ لابْنَتِهِ بنغْمةِ عطفٍ ومحبّةٍ: ما رَأَيْتِهُ يا إليس هي حيتانٌ
بالتأكيدِ، في الماضي كانتْ تَأْتِي للسِبَاحَةِ بأعْدَادٍ كبيرةٍ قريباً منْ
جِهَتِنَا، ثمَّ اختفتْ لفتْرَةٍ طويلةٍ، لذلكَ فهذهِ المرَّة أتت استثناءً.
ثم
أضاف: بعد الأكلِ سنقومُ بجولةٍ على الشاطئِ.
تساءلت
البنتُ: لكنَّ جدّي قالَ إنَّها تُغَنِّي.
-
نعم، خاصَّةً لمنْ يستَمِعُ إليْها جيِّداً. أكملَ
الجدُّ قائلا: كنتُ في شبابي بحَّاراً، وكنْتُ أذهبُ بسفينتِي نحو بعضِ الجزرِ
الأخرى، وهُناكَ سمعتُ صوتُها لأوّل مرّة، كانْتْ هذه الأغَاني تستمرُّ لساعاتٍ،
بلْ لأيَّامٍ بأَسْرِها!
أوضح
الأبُ: يقولون عن صوتِها إنَّه غناء، ولكنَّه في الواقعِ وسيلةُ اتصالٍ، فالحيتانُ
تتواصَلُ مع بعضْها منْ خِلالِه، هذه الإشاراتُ والرموزُ والأغانِي لجذْبِ
الإناثِ، إنَّ الذكورَ خاصةً همْ منْ يُغَنّون خِلالَ مَوْسِمِ التزاوجِ
والتجمُّعَاتِ الكبيرةِ في الشتاءِ.
انتهتِ
الوجبةُ سريعًا هذا المساء، كما تمَّ الانتهاءُ من تنظيفِ الطاولةِ بسرعةٍ أيضاً،
فقدْ كانتِ العَائلةُ متلهفةً لرؤيةِ الحيتانِ، ولحسنِ الحظِّ فإنّ الرياحَ نجحتْ
في تمزيقِ السحبِ الكثيفةِ، فظهرت السماءُ مع آلافِ النجومِ التي تَشِعُّ على
الأرضِ الخاليةِ والبحرِ.
صرخت
الفتاةُ من شدّةِ الفرح عندما وصلوا إلى هناك.
كانت
الحيتانُ ماتزال في مكانها، وتظهر بشكلٍ جيّد هذه المرّة تحت القمر الفضي.
أخذت
المياه الفوّارة تُرشُّ بكثافة، وراحت الحيتان تستعرضُ رقصات غريبة وكبيرة.
وفجأة
ارتفع بين هذه الألعاب المائية المذهلة هديرٌ قويٌّ صدر منها إلاّ أنّه سرعان ما
توقف.
اندهشت
إليس وشعرت بأنّ كلّ شيء في حياتها صار صغيرًا أمام هذه المشاهدِ العظيمةِ، وكانت
على قناعة تامةٍ بأنّ والديها وجدَّها كان عندهم الشعورُ نفسه.
بقي
الأربعةُ وقتًا طويلاً دون حركة، بسعادةٍ غامرةٍ منتبهين إلى هذه المشاهد
الأخّاذةِ دون أن يهتَمُّوا بالبردِ على الشاطئ.
بعد
ذلك عندما عادوا إلى المنزل، شعرت إليس فجأةً بأنّ الربيعَ يسارع في المجيءِ، كانت
علاماتُه غير مرئيةٍ بالطبع، لكنّ حزنَ الأيامِ الماضية كان قد رحلَ مع الظهورِ
الرائعِ لتلك الحيتانِ.
تأليف:
جوزلين مارك... ترجمة ياسين سليماني
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة للأطفال: مريومة والنحلة نونة
قصة للأطفال: سنغافورة بلاد الأسد
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق