الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

• قصة تاريخية: زورو الباحث عن الانتقام


ما إن انتشرت الأخبار عن مدى غنى مجاري أنهار (كاليفورنيا) بالذهب حتى بدأ الناس بالتدفق إليها أملاً بحياةٍ أكثر رفاهيّة. كان أحد الأشخاص الذين قدموا نحو الجبال يدعى (خواكين موريتا)، وقد كان (موريتا) يبلغ من العمر الثامنة عشرة آنذاك وتميز بطموحه ومهارته. لم يأت وحيداً، بل صَحِبته زوجته التي كان مغرماً بها، وقد أملا بأن يتمكنا من تأسيس عائلة بعد أن يجمعا ما يكفي من الذّهب.

كان (موريتا) يخرج يوميّاً للتنقيب واعداً زوجته بحياة سعيدة وبالكثير من الذهب بينما تبقى هي في المنزل الصغير للاعتناء به، وبالفعل استطاع (موريتا) في البداية أن يجمع الكثير من الذهب، إذ كان من أوائل الأشخاص الذين وصلوا إلى المنطقة، وهكذا بدأ الزوجان بتحقيق ثروتهما الموعودة، ولم يكن لديهما سبب يدفعهم إلى العودة من حيث أتوا. وقد أراد (موريتا) البقاء في المنطقة وقتاً أطول حتى يستطيع جمع المزيد من الذهب لضمان مستقبل عائلته. احتفل الزوجان في كل مرة عاد بها (موريتا) إلى منزله محملاً بالذهب وحلما بمستقبلهما الذي بدا لهما آنذاك لمّاعاً ومشرقاً، إلى أن أتى عام 1848.
اشتعلت الحرب بين الولايات الأمريكية المتحدة والمكسيك بين عاميّ 1846 و1848، وقد استطاعت أمريكا الاستحواذ على (كاليفورنيا) والتي كانت تابعةً للمكسيك حتى عام 1848. وإثر ذلك حدث في إحدى الأيام أن أتى رجال أمريكيون إلى منزل (موريتا) وزوجته مطالبين بالذهب الذي عمل جاهداً على جمعه زاعمين أن هذا الذهب من حقهم لكون المنطقة التي عمل (موريتا) فيها أصبحت ملكاً لهؤلاء الأشخاص!
رفض (موريتا) بالطبع وقاوم الرجال لكنهم ربطوه إلى كرسي وقتلوا زوجته وتركوه حيّاً، وغادروا معتقدين أنه لن يكون بإمكان شخص بسنه أن يأتي بأي فعل ضدهم.
دفن (موريتا) زوجته وعاد إلى مسقط رأسه بقلبٍ مكسور وجيوبٍ فارغة، وقد حاول في بداية الأمر أن يمتهن عمليّة توزيع الورق في إحدى صالات اللعب، وقد كانت الصالات المكسيكيّة تعج بالأمريكيين السكارى آنذاك، وزاد احتكاك (موريتا) الدائم بهم كرهه لهم.
لم تكن مآسي (موريتا) قد انتهت بعد، إذ حدث في إحدى الأيام أن اشترى أخوه غير الشقيق حصاناً، وقد طلب (موريتا) استعارته وذهب به للتجول في المدينة، ولكن لسوء حظه فقد أوقفه مجموعة من الرجال الأمريكيين وبدؤوا بجلده متهمين أياه بسرقة الحصان، حاول (موريتا) إخبارهم أنه استعار الحصان، وبينما كان تحت الضرب أفلت منه اسم أخيه.
ما إن سمع الرجال ذلك حتى ذهبوا بحثاً عن الأخ ثم قاموا بقتله، بعد هذه الحادثة أصبح مجموع ما قتله الأمريكيون بالنسبة لـ(موريتا) شخصان من أقرب أفراد عائلته إليه، كانت حادثة أخيه هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لـ(موريتا)، فتحول من كونه شاباً طموحاً إلى رجلٍ يسعى للانتقام بلا هوادة.
تحوّل (موريتا) من شاب يطمح لبناء مستقبل أفضل لعائلته إلى رجل يسعى إلى الانتقام والأخذ بالثأر.
عُثر على أحد الرجال الأمريكيين الذي نفذوا عملية إعدام أخ (موريتا) بالقرب من مخيم للتنجيم عن الذهب، كانت جثة الرجل مقطعة إلى أجزاءٍ صغيرة وقد ظهرت بعد بضعة أيام فقط من تنفيذ الإعدام.
بعد أن عثر الرجال على جثة صديقهم امتطوا أحصنتهم وحاولوا اللحاق بالقاتل، وقد استطاعوا رؤية (موريتا) وتيقنوا من كونه هو من فعل ذلك لتذكرهم أنهم قاموا بجلده قبل عدة أيام، بدؤوا بإطلاق النار لكنه استطاع تفادي طلقاتهم وانطلق بعيداً بلمح البصر.
استمر الرجل بالاختفاء في الأيام التي تلت، وقد أصبح الجميع على يقين بأن (موريتا) ينفذ انتقامه، لكن وبالرغم من الاحتياطات والتدابير التي اتخذوها بقي (موريتا) قادراً على انتقاء الرجال وتصفيتهم واحداً تلو الآخر، وقد أصبح بمثابة الشبح بالنسبة إليهم، إذ لم يستطع أحد أن يلمحه أو يسمعه حينما يتحرك. كان الرجال الذين قام (موريتا) بتصفيتهم متورطين في عمليات ضد العديد من المكسيكيين، ولذلك لم يلبث أن اعتبره سكان منطقته بطلاً يثأر لهم من ظالميهم. وقد رغب الجميع بمساعدته.
أيقن (موريتا) أنه لم يكن من الكافي أن يحصد انتقاماً لنفسه فقط، وبالأخص بعد أن انتهى من تصفية أولئك الذين اعدموا أخاه، وهكذا أوجد لنفسه هدفاً يسعى من خلاله لتحقيق العدالة للمكسيكيين المتضطهدين.
قام (موريتا) بتشكيل عصابة من الرجال، وكان معظم أفراد تلك العصابة رجالاً فقدوا أفراداً من عائلاتهم بسبب الأمريكيين، والذين كانوا يعملون على احتلال أراضيهم والاستيلاء على ممتلكاتهم. تراوحت أعمار الرجال بين العقدين الثاني والثالث من العمر لكنهم –وبالرغم من صغر سنه– فقد اختاروه لأن يكون قائداً لهم بسبب مهاراته وقدراته.
كان أفراد المجموعة محقونين بالحقد تجاه الأمريكان، فبالإضافة للأشخاص الذين فقدوهم بسببهم، فقد كان معظم هؤلاء الرجال أشخاصاً شاركوا في الحرب الأمريكيّة–المكسيكيّة. كان أحد الأفراد يدعى (جاك ذو الثلاثة أصابع) إذ وكما يشير اسمه، فقد الرجل أصابعه في أرض المعركة. كذلك كان أحد أصغر الأعضاء فتى في السادسة عشرة من عمره يدعى (رايز فيلتز)، وأغرم (موريتا) لاحقاً باخت الفتى وبدأ تأسيس عائلة جديدة معها.
شملت أعمال العصابة اقتناص المنقبين الأمريكيين من على أحصنتهم، وقد قاموا بالاستيلاء على الذهب والأحصنة، وعملوا بنظام المناطق، فكلما انتهوا من تمشيط منطقة تنجيم من الأمريكيين انتقلوا لأخرى.
بدأ (موريتا) بالسطو لأجل الآخرين وذلك بعد أن استعاد ما أُخذ منه، وقد كان يعود بحصيلة العمليات التي يقوم بها إلى المدينة ويوزعها على السكان الذين سرق الأمريكيون منهم. شبهه الناس بـ”روبن هود“ إلى أن بدأ يقتل بلا دافع وبلا هوادة، إذ بات يعتدي على أشخاص لم يسيؤوا له أو لأي شخص آخر.
لم يلبث أن انتشر الخبر عن وجود عصابة مكسيكيّة تستهدف المنقبين عن الذهب أمريكيي الجنسيّة، وحين وصل هذا الخبر إلى مسامع الجيش الأمريكي سُلّم شخصٌ يدعى (هاري لوف) برفقة جوالة (كاليفورنيا) مهمة القضاء على (موريتا) مهما كلّف الأمر.
استطاع الجوالة في إحدى الأيام الإيقاع بمجموعة من الرجال المكسيكيين وهم في خضم عملية سرقة أحصنة، وبدأ إطلاق النار بين الطرفين، وفي النهاية قام الجوالة بإرداء العصابة بأكملها ميتة. وقد ميّز الجوالة من بين الجثث (جاك ذو الثلاثة أصابع)، وكان (لوف) على ثقة بأن (موريتا) هو أحد الرجال بين الجثث لكنه لم يكن قد قابله من قبل ولم يكن يعرف شكله. مع ذلك قام بقطع رأس إحدى الجثث والتي شك بكونها جثة (موريتا) نتيجة الأوصاف التي سمعها عنه، ومن ثمة وضع الرأس في إناء زجاجي، وقد فرض لاحقاً قيمة دولار واحد على أي شخص أراد رؤية الرأس.
ظهرت شخصيّة (دون دياغو فيغا) والمعروفة باسم (زورو) لأول مرة في قصة قصيرة دُعيت بـ«لعنة كابيسترانو – The curse of Capistrano» التي كتبها (جون ماكيلي) في عام 1919. أُنتج لاحقاً فيلمٌ عن تلك الشخصيّة وذلك في عام 1920، تبع ذلك نشر (ماكيلي) رواية كاملة تتحدث عن تلك الشخصيّة وذلك في عام 1924 كان اسم تلك الرواية «قناع زورو – The Mask of Zorro».
أحب العامة قصة (روبن هود) المكسيكي، ولترويج تلك الشخصية، تم إنتاج مسلسل تلفزيوني كامل يدور حول مغامراتها وذلك في خمسينيات القرن الماضي، تبع المسلسل سلسلة أفلام (زورو) من بطولة (أنطونيو بانديراس) لكن القليل من الناس يعلمون أن أصل جميع تلك الإنتاجات هو رجل مكسيكي وجد فعلاً ويدعى (خواكين موريتا).
جسّد الممثل (انطونيو بانديراس) شخصية (خواكين موريتا)، أو (زورو) في فيلم The Mask of Zorro عام 1998.
امتلك (زورو) قناعاً ليخفيه ولباساً أسود ليساعده على الإندماج في ظلام الليل، وقد كان ذلك منطقيّاً لكون جميع القصص التي دارت حول (موريتا) تحدثت عن غموضه وتخفيه وقدرته على التسلل. وكما قصة حياة (موريتا)، فقد كان (زورو) يبحث عن الانتقام لأجل أخيه. واستخدم السيف في تحقيق انتقامه بدلاً عن المسدس تماماً كما فعل (موريتا) والذي اشتهر بمهارته العالية وعدم وجود شخص يستطيع منازعته والتغلب عليه في مبارزة، إلى أن جاء جوالة (كاليفورنيا).
حاول بعض المؤرخين تشويه صورة (موريتا) ليحولوه من بطلٍ يسعى لتحقيق العدالة إلى رجل خارج عن القانون يقود مجموعة من المجرمين، كما ادعوا أنه احتفظ بالغنائم التي حصل عليها لنفسه، كما رسمه العديد من الأشخاص كرجل معتوه ومجنون بعيون جاحظة وذلك ليطابق المواصفات التي وضعها الأمريكيون له. لكن قصة (موريتا) التي تُظهره بطلاً وصلت إلينا نقلاً عن أفواه المكسيكيين جيلاً بعد جيل كاحتفالٍ ببطولاته وإشارة لحبهم له واعتزازهم به.
بالنسبة لأفلام (زورو) التي أدى بطولتها (بانديراس)، فإن العديد من الأشخاص يعتبرونها تصويراً ممتازاً للحياة في فترة حمى الذهب من وجهة نظر مكسيكية. وفيما يطوي التاريخ قصة (موريتا) فإن إحساسه العالي بالعدالة سيحيا للأبد في شخصية (زورو).



إقرأ أيضاً
للمزيد            
أيضاً وأيضاً







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق