الجمعة، 16 أغسطس 2019

• قصة نجاح: الجاسوسة التي انتصرت على العثمانيين


وُلِدت (غيرترود بيل) في العصر الفيكتوري في الرابع عشر من شهر تموز عام 1868 في مدينة دُرم Durham في انجلترا ، وشقت طريقها المهني في الحياة، فكانت كاتبة ورحالة وعالمة آثار، فلم تكن نمطية كمعظم نساء عصرها.

أظهرت (بيل) منذ البداية أنها قادرة على فعل الكثير، حيث أصبحت أول امرأة تحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ الحديث من جامعة أوكسفورد. ولأنها خريجة أوكسفورد، لم يجد الرجال ما يثير اهتمامهم في هذه المرأة المتعلمة، ولكن ذلك لا يعني أنها لم تحظ بحياة عاطفية مثيرة، بل على العكس تماماً، حيث اتخذت (بيل) عدداً من العشاق خلال حياتها، لكنها لم تتزوج أياً منهم.
وبعد تخرجها، قررت أن تمضي رحلة التعلم والدراسة، حيث تعلّمت الفارسية بنفسها، وكذلك 6 لغات أخرى. ثم رحلت إلى العراق في بدايات التسعينيات من القرن التاسع عشر، وبدأت حياتها المهنية في الشرق الأوسط، وهناك، خلّد التاريخ اسمها.
كانت (بيل) أول امرأة تحصل على شهادة في التاريخ الحديث، لكن المثير للاهتمام أنها كانت أول امرأة تتسلق الجبال في تلك الفترة. حيث تسلّقت أو مرة جبل Mejie في جبال الألب الفرنسية، والبالغ ارتفاعه أكثر من 3960 متر، وحدث ذلك عام 1899. وبعد سنتين، أصبحت (بيل) أول شخصٍ يتسلق جبال الألب السويسرية، بالطبع، لم تكن ترتدي ملابس النساء التقليدية وقتها، حيث استبدلت الفساتين بالبنطال كي يسهل عليها تسلق الجبال.
وبالمناسبة، لم تكن الملابس الشيء الوحيد الذي اضطرت (بيل) لتغييره أثناء تسلقها الجبال، ففي عام 1902، وخلال تسلقها جبل فينستيرارون –وهو أيضاً أحد جبال سلسلة الألب السويسرية (أو البرنية)، واجهت (بيل) عاصفة ثلجية بينما كانت متمسكة بالحبل. لم تتمكن (بيل) من الرؤية جيداً أثناء العاصفة، وبقيت معلقة لـ50 ساعة قبل أن تصل المساعدة إليها. لحسن حظها، اقتصرت إصابات (بيل) على لسعة الصقيع (التثليج) في يديها وقدميها، ولم يمنعها هذا الحادث من ممارسة رياضة تسلق الجبال مجدداً.
ولم تكتف (بيل) بالترحال لتسلق الجبال، بس كتبت أيضاً عن رحلاتها ومغامراتها. وبسبب هذه المذكرات بالتحديد، استطعنا التعرّف على هذه الشخصية الرائدة ومغامراتها حول العالم.
ومن المثير للاهتمام أيضاً أنها وضعت خرائط جديدة كشفت فيها الطرق التي اتبعتها أثناء تسلقها الجبال، وذلك كي تساعد المتسلقين في المستقبل على تحقيق أهدافهم. وبسبب إسهامها في هذا المجال، أُطلق اسمها على إحدى قمم الجبال، والتي تُدعى اليوم Getrudespitze (غيرتروديشبيتزي).
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في أوروبا؛ انضم عدد كبير من النساء إلى صفوف القتال، وكانت (بيل) أولى المشاركات، حيث استطاعت أيضاً الارتقاء إلى مناصب أعلى.
في البداية، تطوّعت ضمن الصليب الأحمر في فرنسا، حيث عملت هناك في علاج ومساعدة الجرحى من الجنود. وهكذا، ارتأت المملكة المتحدة أن (بيل) قادرة على توفير الكثير من المساعدة لهم، فقاموا بتجنيدها لتصبح جاسوسة سرية، وأرسلوها إلى القاهرة، وحصلت بذلك على رتبة رائد في الجيش، وأصبحت أول امرأة في التاريخ تتحصل على هكذا منصب.
وأثناء انخراطها في الحرب، حوّلت أنظارها واهتمامها إلى القضايا السياسية. فخلال الحرب العالمية الأولى؛ كان الشرق الأوسط خاضعاً للحكم العثماني، ولأن الامبراطورية العثمانية كانت حليفة الامبراطورية الألمانية، فكان من الطبيعي أن ترسل بريطانيا –عدوة ألمانيا– جواسيسها إلى هناك.
جميعنا سمع باسم (توماس إدوارد لورنس)، أو ”لورنس العرب“ كما اشتُهر وقتها. وكما تتوقع من هكذا سيدة، فقد انضمت إلى زميلها (لورنس) لوضع خطة يساعدون فيها العرب في الانتصار على العثمانيين.
بالنسبة للعراقيين، أو حتى الكثير من الأشخاص عالمياً، فاسم (غيرترود بيل) يرتبط بشكل جوهري ببناء وتأسيس العراق، حيث كانت وقتها تُعرف باسم بلاد النهرين. حتى أن بعض العراقيين اعتبروها ”ملكة العراق“، ولو أن هذا المنصب غير رسمي.
عشقت (بيل) الشعب العراقي، واهتمت جداً برغبة الشعب في نيل استقلاله، كما كانت مسؤولة بشكل مباشر عن هندسة مستقبل العراق، وحتى انتخاب ملك جديد بعد انتهاء الحرب، وتُعد رسائلها من بغداد أكبر مصدر لدورها البارز في تأسيس العراق، حتى أن تأثير بريطانيا في العراق يعود بشكل كبير إلى دور (بيل) في المنطقة، حيث كانت (بيل) واحدة من الشخصيات البارزة التي خاضت المفاوضات اللازمة لحصول العراق على استقلاله من العثمانيين.
وبسبب حبها الكبير لهذا البلد، انتقلت للعيش فيه عام 1917، واستمرّت هناك حتى وفاتها في الثاني عشر من شهر تموز عام 1926.
وبالطبع، لم ينته دورها بمجرد انتهاء الحرب ونيل العراق استقلال، حيث استمرّت في تقديم يد العون للبلد، فبنت متحف بغداد للآثار، والذي يُعرف اليوم باسم «المتحف الوطني العراقي»، وافتتحته في عشرينيات القرن الماضي، حيث كانت (بيل) شديدة الاهتمام بالآثار، وأشرفت على عددٍ من الحفريات الأثرية في الشرق الأوسط قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
استثمرت (بيل) كل معرفتها والآثار التي جمعتها لوضعها في متحف بغداد. ولكن، أغلق المتحف للأسف عام 2003 بسبب أعمال التخريب، لكن أُعيد افتتاحه في عام 2016، وأصبح اسمه وقتها المتحف الوطني العراقي، ولا زالت ذكراها خالدة في التاريخ العراقي.
كانت مذكرات (بيل) إحدى السبل التي تعرفنا من خلالها على حياتها الغنية بالأحداث والتجارب، حيث كتبت (بيل) عدة كتب توثق فيها رحلاتها، ودوّنت أشهر كتبها بين عامي 1894 و1910.
ولا تفيد هذه الكتب في التعرف على الحياة الشخصية لصاحبتها فحسب، بل أصبح البريطانيون من خلالها على دراية بالعالم الشاسع والواسع خارج حدود امبراطوريتهم، حيث تكلّمت في رحلاتها عن مناطق ودول عديدة كسوريا وفلسطين وأوروبا وآسيا.
عندما امتهنت (بيل) علم الآثار، كوّنت علاقات طيبة مع الشخصيات البارزة في هذا المجال، وإحدى علاقاتها كانت مع السير (ويليام رامزي)، وهو عالم آثار اهتم بدراسة آثار تركيا القديمة، ولو لم يكن السير (رامزي) موجوداً، لكانت (بيل) أشهر وألمع عالمة في تلك الفترة! حيث كان (رامزي) معلماً ومرشداً لها.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، لم ينته تأثير (بيل) على الامبراطورية البريطانية وسكانها، حيث أكدت هذه السيدة أن لا شيء حكر على الرجال فحسب، فاستلمت الكثير من الأوسمة والميداليات التي لم تتسلمها أي امرأة قبلها. حيث حصلت (بيل) على وسام الإمبراطورية البريطانية، التي منحها إياها الملك (جورج الخامس)، وحازت أيضاً على الميدالية الذهبية من الجمعية الجغرافية الملكية.
فسواءً كانت (غيرترود بيل) سياسية أو عالمة آثار أو متطوعة في الصليب الأحمر أو كاتبة أو رائدة، أو حتى متسلقة جبال، من الواضح أنها كانت سابقة لعصرها. وفوق كل ذلك، لا زالت ذكراها حاضرة، وتحديداً في العراق.

المصدر1: https://dkhlak.com
المصدر2: موقع history collection

إقرأ أيضاً
للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق