الخميس، 23 مايو 2019

• قصة فكرة: الشاعر يتغلب على الطبيب


كان هناك طبيبٌ اختصاصي مشهور وذو عيادة معروفة في شارع التل في حلب، والأطباء الناجحون المشهورون في حلب لا يُقصدون من مدينة حلب وحدها، بل ومن المناطق المجاورة القريبة والبعيدة بما في ذلك منطقة الجزيرة.

وكانت غرفة الانتظار في عيادته وأروقة العيادة وكل مكان قريب يصلح للوقوف أو الجلوس غاصاً دائماً بالمرضى المنتظرين، الذين كان يقدم لهم العناية الطبية، ويعالجهم بنجاح وبراعة، وبديهي أن ذلك كان يستغرق جزءاً كبيراً من وقته فلا تبقى لديه ساعة فراغ.
وهنا كانت تبرز المشكلة. فقد كان يهبط عليه وحيُ الشعر فجأة على غير موعد. ويعرف الكتاب والشعراء خاصة أن ثمة لحظات تأتي على غير انتظار تنبعث فيها الرغبة في الكتابة أو نظم الشعر والإبداع، وكأن المرء تحت تأثير مخدر يجعله يحس وكأنه منفصل عن واقعه، وكأن ثمة من يملي عليه الكلمات والجمل شعراً ونثراً.
حتى إن الشعراء الجاهليين كانوا ينسبون هذا الأمر إلى الشياطين، لذلك كانوا يظنون أن لكل شاعر شيطانه.
وعندما كان شيطان الشعر يزور صاحبنا الطبيب فجأة كان يضعه أمام أحد خيارين، إما أن يطرد هذا الشيطان أو أن يطرد عشرات المرضى المنتظرين في عيادته قاعدين أو واقفين، ومعظمهم حضر من مناطق قاصية خصيصاً للمعالجة لديه.
وكان الحل دائماً وأبداً هو أن يرحب صاحبنا الطبيب بشيطان الشعر الذي جلب له الوحي وأن يتخلص من المرضى، وكانت طريقته في ذلك هي أن يحولهم إلى طبيب آخر جديد، مختص الاختصاص نفسه، كان قد افتتح عيادة له في منطقة المنشية في حلب وهي لا تبعد عن شارع التل إلا بضع مئات من الأمتار.
وكان ذلك الطبيب الجديد، يعاني ما يعانيه كل الأطباء الجدد عندما يبدأون عملهم، من عيادة فارغة أفرغ من فؤاد أم موسى، إلى وقت لا يعرف كيف يمضيه فضلاً عن أن يستفيد منه. فكان يقعد في عيادته يتأمل جدرانها وسقفها وأرضها ويدرس جغرافيتها، وطريقة هندستها وهو في وحدة دونها وحدة الضائع في الصحراء. وفجأة كان يرى أمامه عشرات المرضى يقصدونه دفعة واحدة وكأنهم سرية جيش مهاجم، ويسألهم ويخبرونه أنهم قد أُرسلوا إليه من قبل صاحبنا الطبيب الشاعر، فقد هبط عليه وحي الشعر فكان لابد من أن يهبط فيض الزبائن على هذا الطبيب الجديد.
وتمر الأيام، ويغدو الطبيب الجديد معروفاً، ويموت الطبيب الشاعر، وهو الذي كان في حياته مشهوراً بطبه وشعره، فإذا بالأيام تمحو شهرته كطبيب فلا يذكر إلا كشاعر، إذ خلده الشعر بما لم يخلده به الطب. تماماً كما فعل الأدب مع الكاتب الروسى أنطون تشيكوف، إذ إن كثيراً من الناس في العالم أجمع قرأوا لتشيكوف الروائي، أو سمعوا عنه أديباً، في حين لا يذكر أحد أنطون تشيكوف الطبيب.


إقرأ أيضاً

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

 

أيضاً وأيضاً








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق