الجمعة، 10 مارس 2023

• قصة للأطفال: الفرصة الضائعة


قصة فارسية

ها قدْ جاءَ الربيعُ، وأطلّت براعمُ الشجيراتِ الصغيرةِ برءوسها على سطحِ الأرضِ، لتستمتعَ بمشهدِ السماءِ الزرقاءِ. كانت الوعول بقرونها المتشعّبة، والغزلان الصغيرة تركضُ سعيدةً باتجاه المروج الخضراء، وهي مبتهجةٌ برائحةِ الأزهارِ الزكيةِ.

أما الجبلُ الكبيرُ، فقد جلسَ ساكنًا حزينًا، لأن قبعته الثلجية لاتزال تعلو رأسه، لذا فقدْ أخذَ يفكرُّ بالنهرِ.

بدأ النهرُ ينسابُ رويدًا رويدًا منذ أيام، ولكنه كان يشعر بالقلق والحزن كلّما فكّر، وهو ينظر من الأعلى إلى حيث الوادي العميق في الأسفلِ: «كم أخشى ألا أصل إلى هناك!».

عندما وصلت الشمسُ إلى كبدِ السماءِ، بدأ النهرُ ينساب بهدوء، وهو يمرُّ من خلال النباتات البريةِ وأزهار البنفسج ذات الرائحةِ الزكيةِ، هناك، على صخرة، كانت حرباءٌ صغيرةٌ قد جلست وهي تشاهدُ أشعةَ الشمسِ، وعندما سمعتْ صوتَ النهرِ القادمِ صاحت: «إلى أين تمضي بهذه السرعة أيها النهر؟ لاشكّ أنك مشتاق إلى البحرِ!».

قال النهرُ: «أنا أحبُّ البحرَ بالتأكيد، ولكنني لستُ ذاهبًا إليه. بل أمضي إلى موطنِ الشمسِ، فالجبل الكبيرِ يرغبُ في أن أوصل رسالتَهُ إلى هناك. لقد أعطاني العنوانَ، إنه المكان الذي ليس فيه نباتات، ولا براعمٌ، ولا أنهارٌ، ولكن أشعة الشمسِ هناك أكثر دفئًا، والأرض أكثر خشونةً وجفافًا.

نزلت الحرباءُ من على الصخرةِ قالت: «خذني معك، فالسماء هنا أغلب الوقتِ مليئةٌ بالنجومِ. إن الغيومَ الرماديةَ والضبابَ الكثيفَ يحيطان بالجبلِ، ممّا يؤدي إلى تساقطِ الأمطارِ، وأنا أشعرُ بالحزنِ عندما أجلسُ على الصخرةِ فأجدها مبتلّةً تعلوها الطحالبُ. أتوقُ إلى الرحيلِ إلى أرضٍ أخرى، يملؤها نورُ الشمسِ الساطع، كالمكان الذي وصفته قبل قليل، حيث أجلسُ على أرضها الدافئة، أستمتعُ بمشاهدةِ الشمسِ من الصباحِ حتى المساءِ».

أجابَها النهرُ بحنانٍ: أهلاً بك، ولكن لا تنسي أن الطريق أمامَنا لايزال طويلاً، وقد يصيبك التعبُ». ثم أسرعَ النهرُ مع منحدرِ الوادي، ومضت الحرباءُ في إثرِهِ. وفي الطريقِ، بينما كانا يعبران المروجَ الخضراءَ، رأيا مجموعةً من الجديانِ تتراكضُ وتلعبُ بسرورٍ.

قال النهرُ لنفسِهِ: في موطنِ الشمسِ، لا توجد نباتات ولا أشجار، ولا جديان! سأفقتدها كثيرًا، كم أتمنى أن تجدها ذات يوم وقد لحقت بنا إلى هناك!

شيئًا فشيئًا، غربت الشمسُ، وبدت النجوم وهي تضيء السماء كالمصابيحِ الجميلةِ. كان النهرُ ومعه الحرباءُ قد وصلا إلى أحد الأودية، بينما الجبل الكبير لايزال مستيقظًا وهو يراقبهمَا. رأى القمرُ انعكاس صورته على الماءِ، فخاطب النهرَ قائلاً: «مرحبًا أيها النهر الجميل. إلى أين تمضي بهذه السرعة في منتصفِ الليل؟ لماذا تسيرُ أصلاً؟ لاشكّ أنك مثل باقي الأنهارِ، تريد الوصول بسرعة إلى البحرِ».

تنهّد النهرُ ثم أجابَ: «أعتقد بأنك أنت أيضًا تحبّ البحرَ كثيرًا، بإمكانكَ أن تشاهده من ارتفاعك الشاهقِ كلّما أردت. أما أنا... فلستُ ذاهبًا إلى البحرِ. المكان الذي أنا ذاهبٌ إليهِ ليس فيه ماءٌ ولا نباتات، لا ورود ولا أشجار، إنه جافٌ محرقٌ كالشمسِ تمامًا».

تعجّب القمرُ قائلاً: «لم لا تبقى هنا؟ فهذا الوادي مليءٌ بالسهولِ الفسيحةِ وبساتينِ الفاكهةِ، ستكون كلها سعيدةً بفضلِ مائك الزلال البارد، ماذا تريد أفضل من هذا؟».

صاحَ النهرُ: «لا، عليّ أن أذهب، فمن حولنا هنا الكثيرُ من الأنهارِ الأخرى التي تحبها الحقولُ والسهولُ، أما موطن الشمسِ، البعيدُ البعيدُ والوحيدُ، فيعاني من الجفافِ والقحطِ. عليّ الذهاب إليهِ».

قال القمرُ: «اذهب، ما دمت مصمّمًا إلى هذه الدرجة. سأنير لك دربك حتى لا تضل الطريق».

رويدًا رويدًا، تحت ضوءِ القمرِ، مضى النهرُ والحرباءُ، وعندما طلع الصباح وارتدت السماءُ وشاحَها الأزرق، كانا قد غادرا الوادي.

كلُّ شيءٍ ساكن هادئٌ، لم يعد يتناهى إلى أسماعهما تغريد الطيورِ وثغاء الماعزِ. قالت الحرباءُ: «أيها النهر العزيز، متى نصل؟ فقد تعبتُ كثيرًا».

أجابَ النهرُ وهو يلفُّ حول شجرةِ عجوزِ وحيدةٍ: «لا أعرف. أتمنى لو أنني، أعرف إلى أي جهة علينا الذهاب، آه، أخشَى ألا نصل أبدًا. يا للجبلِ الحنونِ المسكينِ!، أعطاني العنوانَ وكان آملاً أن أوصل رسالته».

سألت الحرباءُ: «أي رسالة؟».

سكتَ النهرُ هنيهة وهو يحاول، لعل الذاكرة تسعفه، قال متألّمًا: «لا أعرف، لقد نسيت!» وشعر بالحزنِ الشديدِ.

نظرت الحرباءُ إلى الخلفِ، كان الجبلُ الضخمُ جالسًا هناك بعيدًا جدًا، قبعته البيضاء الثلجية تنسابُ منها الأنهارُ الصغيرةُ، فيبدو وكأنه يبكي، حزنت الحرباءُ كثيرًا، لكنها حاولت أن تتجاهل الألمَ واليأسَ، فصاحت: «ألا يوجد أحد هنا؟ فليخبرنَا أحدكم أين يقع موطنُ الشمسِ؟ حيث أشعتها أدفأ منها في أي مكان آخر، والأرض أكثر خشونةً وجفافًا».

فجأة، أخذت أغصان الشجرةِ الهرمة تهتزُّ، وبدأت أوراقها الدقيقة الناعمة تصدر حفيفًا، وأطلت الرياحُ الباردةُ العاصفةُ برأسِها: «أيتها الحرباء الصغيرة، عمّ تبحثين؟».

أجابت الحرباءُ: «أنا والنهر أضعنا طريقنا».

أطلقت الرياحُ ضحكةً مجلجلةً وقالت: «الجميع يعرف الطريق إلى البحرِ. إذا كان النهرُ قد أضاعَ طريقه، فما عليه إلا أن يسعى في المنحدرات، وعندها سيصل إلى البحر بالتأكيدِ».

صاح النهرُ: «لا، لست ذاهبًا إلى البحرِ، ألم تسمعي بالخبرِ؟ إننا ذاهبان إلى موطنِ الشمسِ، حيث لا ماء ولا عشب، لا نباتات، لا ورود ولا أشجار».

خففت الرياح من شدّتِها، هبطت ثم قالت بهدوءٍ: «ابقيا هنا، فأنا أعرف ذلك المكان، أيامه حارّةٌ طويلةٌ، أما لياليه فباردةٌ متجمّدةٌ».

تمتمَ النهرُ لنفسِهِ: «عليّ الذهاب إلى هناك، على الرغم من أنني قد نسيتُ وصية الجبل الكبيرِ». انطلق هادرًا في طريقِهِ، ومضت الحرباءُ في إثرهِ.

قالت الرياحُ: «ما دمتما مصممين إلى هذه الدرجة، فسآتي معكما وأدلّكمَا على الطريقِ. هيا اتبعاني».

ومضوا جميعًا.

كان النهارُ قد وصلَ شيئًا فشيئًا إلى نهايتِه، وبزغ القمرُ من جديد وسط السماءِ، استلقت الحرباءُ على اليابسة، وقد نال منها التعبُ، وقالت: «متى سنصلُ؟».

فجأةً، صاحت الرياحُ وهي تتخلل شجيرات الأشواكِ في طريقِها: «أيتها الحرباءُ، لقد وصلنَا! غدًا صباحًا ستبصرون الشمسَ المحرقةَ، فالصحراءُ من حولِنا في كلّ مكانٍ».

تفحّص النهرُ ما حوله متعجّبًا، المكان هنا مترامي الأطرافِ، إنه بحرٌ من الرمْلِ والترابِ، ليست هناك رائحةَ نباتاتٍ، ولا أي شجرة على الإطلاقِ، صاحت الحرباءُ: «يا براعم الأشواك! افتحي عينيك، ألا تسمعين هدير النهر؟».

استيقظت نباتات الشوكِ، وعندما رأت النهرَ العذبَ تحت ضوءِ القمرِ قالت بسرورٍ: «أهلاً وسهلاً بك أيها النهر، أيتها الحرباء، أهلاً وسهلاً بك أيضًا، بإمكانك ابتداءً من الغد الجلوس قربنا حيث تشاهدين الشمس من الصباحِ حتى المساء، وعندها يزول عنك كل تعب الرحلةِ الطويلةِ».

أخذت الغيومُ تتراكمُ شيئًا فشيئًا في السماءِ، وقال القمرُ بصوتٍ حزينٍ: «أرأيت؟ لقد كنتُ محقًا، سرعان ما سيصبح الجو باردًا مظلمًا، وإذا بقيت هنا أيها النهر، فستتجمد على الفورِ. أما نهار الغد، فستحولك أشعة الشمس الحارّة إلى بخار. عليك أن تعيد النظر في قرارك».

قالت شجيرات الشوك: «لا تقلق أيها القمر الحنون! بإمكاننا أن نعتني بالنهرِ جيدًا. امضِ إلى داخلِ الأرضِ يا عزيزنا النهرِ، سنحفظك في جذورنا القويّة. وهكذا لن تعاني من التجمّدِ في بردِ الليلِ، ولن تخشى من أن تتحول بخارًا بفعلِ حرارةِ الشمسِ. هيّا اسرع!».

وهكذا مضى النهرُ داخل شقوقِ الأرضِ الجافةِ، فلم يتبقّ له أثرٌ بعد ذلك على السطح. لم يعد القمر يرى انعكاس صورتهِ. أما الرياح فقد ذهبت، وبقيت الحرباءُ محتارةً. منذ ذلك الحين، والحرباء تجلسُ كل صباحٍ عند شجيراتِ الشوكِ، وتنظرُ إلى السماءِ. وكلما اشتاقت إلى النهرِ، تنصب أذنيها بانتباهٍ، لعلها تسمع هديرهُ القديمِ. أما الرياحُ الحنونةُ، فهي تتجوّل هنا وهناك في الأرضِ القاحلة كل ليلةٍ، هي والقمر يبحثانِ عن النهرِ.

وبعد أن مضت أيامٌ، انتاب براعمَ الأشواكِ إحساسٌ غريبٌ، كان لونُها يزدادُ رونقًا زاهيًا يومًا عن يومٍ، إلى أن أصبحت جميعها خضراء. لقد عمّ الازدهار كل مكانٍ، كان النهرُ قد سارَ فيه، فها هي الأزهار الزكية، والبراعم الخضراء، قد نمت في مجموعات يانعة.

وذات ليلةٍ، أخذت الرياحُ ترقصُ وتدورُ فرحةً وهي تقولُ: «أيها القمر! أيتها الحرباء! انظرا إلى النهرِ، فقد أصبح موطن الشمس مليئًا بالورودِ. سيأتي إلى هنا المزيد من الأنهارِ بالتأكيدِ. ربما تأتي الطيورُ أيضًا، والوعولُ والغزلانُ».

قالت الحرباءُ الصغيرةُ لنفسِها: «أدركتُ الأمر الآن، كانت هذه هي الرسالة التي نسيها النهرُ». والتفتت وراءها إلى البعيدِ. كان الجبلُ الكبيرُ يلوحُ تحت ضوءِ القمرِ، والليل يبتسم سعيدًا وهو يرفعُ عن الجبلِ قبعته البيضاء، شيئًا... فشيئًا.

إقرأ أيضاً:

قصة للاطفال: دعموص في طريق النمل

قصة للأطفال: حوار الشجرة والغراب

قصة وعبرة: لا تهِن رئيسك

قصة وحكمة: مايكل أنجيلو يبعث الحياة إلى التمثال

قصة للأطفال: أول طبخة

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

المصدر: 1





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق