أعلنت مدرسة "فارس"
عن رحلة إلى حديقة الحيوان، وسرعان ما اشترك "فارس" وصديقه "خالد"...
لكم حلم "فارس" بزيارة الحديقة،
هذا العالم الساحر، الذي لم يزره من قبل. كان " فارس " يعدّ الأيام؛
التي كانت تمضى في بطء وتثاقل؛ كسلحفاة عجوز !.. وفي ليلة الرحلة، أعدّ أدوات
اللعب، وقامت أمه بتجهيز " السندويتشات "، والمشروبات، وخلافه.. واستقبل
الصباح بابتسامة مشرقة أضاءت محياه !.
رقص قلبه، حين استقل
الحافلة مع صديقه " خالد " وزملاء الفصل.. كم كان بودّه لو قطع المسافة
إلى الحديقة طائرا !. وشارك زملاءه الأناشيد والأغاني الجميلة.. وما أن سعى داخل
الحديقة؛ لتتبدل فرحته حزنا وكمدًا، وتنقلب سعادته همّا وغمّا !..
سبحان الله !، ما بين
غمضة عين وانتباهتها، يغيّر الله من حال إلى حال.. ترى ما السبب ؟.. كان تبدّله
المفاجئ لحظة دخوله بيت الأسد، وحين رآه على حالة لم يكن يتوقعها، ليحدث نفسه في
دهشة:
" الأسد حبيس خلف
القضبان. مستحيل !.. حقيقة هذه أم خيال ؟!.. أكاد ألا أصدق.. ماذا فعل الأسد؛ ليلق
هذا المصير ؟! "..
وأخذ يتأمل الأسد، الذي
بان في عينيه الحزن والأسى، وراح ينقل بصره بين المشاهدين، وكأن لسان حاله يقول:
" ماذا صنعت لكي
تسلبون منى حريتي ؟ "..
لم يلحظ " خالد
" ما ألمّ بصديقه، ولم يشأ " فارس " أن يعلق أو يُبدى استياءً..
ومضى مع زملائه إلى بيت الدب.. جعل يتأمله وهو يلفّ ويدور، كأنما أصابه الجنون:
" والدب أيضا ؟!..
يبدو حزينا بائسًا !.. لقد خلقت الوحوش لتعيش في الغابات، وترتع في الصحارى والفلا،
وليس خلف القضبان.. مسكين هذا الدب، والأسد أيضا ! "..
لم يحتمل " فارس
" رؤية تلك المشاهد التي آلمته ألما شديدا، ولذا لم يواصل جولته لمشاهدة
الوحوش السجينة، والتي لم تقترف إثما، ولم ترتكب ذنبا.. وجلس فوق أحد المقاعد،
مواصلاً حديثه إلى نفسه، ومستنكرا:
" والنمر حبيس
بالطبع، والببر، والفهود، والحمير الوحشية، والنسانيس.. كل الوحوش والحيوانات !
"..
استغرب " خالد
" تصرف صديقه، ففزع من أجله، إذ رآه يبتعد دون كلمة أو إشارة، وراح يسأله:
لم توقفت يا " فارس
" ؟!.. هل أصبت بوعكة ؟!..
تردد " فارس "
في بادئ الأمر، ثم قال:
فعلا يا " خالد
" إنني.. إنني أشعر بالتعب.. أشكرك.. تفضل باستكمال الجولة مع الزملاء..
قال " فارس "
الصدق، ولم يكذب على زميله، وما كذب قط.. ذلك لأنه بالفعل شعر بتعب نفسيّ.. ومع
ذلك، فقد اعتذر لصديقه بينه وبين نفسه !:
معذرة " خالد "؛
فالأمر شخصيّ، وقد لا تقدّر مشاعري.. ويعزّ عليّ أن أحرمك من استكمال الرحلة..
ويعود " فارس "؛
ليواصل تساؤلاته:
" ولكن، لم يحبس
الإنسان الوحوش ؟!.. الرد لا يحتاج إلى تفكير.. فماذا إلا للتسلية وتمضية أوقات
الفراغ !.. أيتسلون على حساب وحوش حبيسة ذليلة؟!، أيضحكون على أعاجم بائسة وحزينة
؟!.. لقد خلقها الله حرة، كما خلق الإنسان !.. لن تستسلم الوحوش هكذا، وذات يوم
ستحطم القضبان، وتولى الأدبار "..
ويأتي إلى سمعه أصوات
عصافير الكناري:
سووووو.. سووووو !..
أسمع صوت عصافير الكنارى
!..
فسعى إليها.. وجعل يتأمل
القفص في حزن:
والكناري أيضا ؟!.. يا
للأسى !..
سووووو.. سووووو.. سووووو..
سووووو.. سووووو.. سووووو !
وما زال " فارس
" يحدث نفسه في حيرة ولوعة:
" يسمّونها عصافير
الجنة.. وكيف يحبسونها ؟!.. البلابل أيضا حبيسة والعنادل والحسون والزريق والوروار
والزرزور.. حتى الطيور التي نزين الحدائق والفضاء، وتملأ الأفاق بالأغاريد
والأهازيج العذبة !.. يا للقسوة ! "..
ويرنو " فارس "
إلى عصفورين، أحجما عن الطيران داخل القفص، وينصت إليهما:
سووووو.. سووووو.. سووووو
!..
ويعبّر عما يجيش في صدره
وخلجاته:
"يحسبونها تشدو..
ولكنها تصرخ.. أجل تصرخ.. وتبكى بغير دموع
!"..
وبعين خياله، يرى سربا من
الأطيار الحرة التي نجت من الأسر، تطير في الفضاء الرحب الفسيح، ثم تتقافز فوق
الأغصان، وتحلق فوق الشطآن.. وتلتقط الحَب من الغيطان.. وترتوي من مياه الغدران..
ثم تشدو بأعذب الألحان!:
يا الله !.. للطيور أجنحة
كي تطير في الفضاء !.. لقد خلقها الله حرة، ويحبسها الإنسان !..
ثم يتتبع ثلاثة من عصافير
الكناري تقف فوق الغصن وتشدو:
عجبا !.. لقد سمّاها
الإنسان الطير، ثم يحبسها ويحرمها من الطيران !.. كيف ؟!..
واتخذت الرحلة طريق
العودة.. ورجع " فارس " إلى منزله مهموما محزونا.. لم يخلع ملابسه، وظل
ساهرا مطرق الرأس، يفكر في أمر عصافير الكناري، وسؤال يلحّ عليه:
" هل تستطيع الكناري
الضعيفة أن تحطم القفص الحديدي ؟!.. كلا بالطبع، ولكن إلى متى تظل الطيور حبيسة
هكذا ؟!.. إلى متى ؟! "..
لم يجد " فارس
" حلا، أو بارقة أمل، لينقذ الكناري والطيور الحبيسة، إلا أن تقطر عيناه
الدموع تأثرا.. ويقضى ليلة مؤرقة، ومشهد الكناري لا يفارق خياله.. ثم طواه النعاس..
وما زال صراخها يرن في أذنيه !:
سووووو.. سووووو.. سووووو
!..
إنها تستنجد بي !.. أجل !..
يجب أن أساعدها على الخلاص..
وغادر " فارس "
الفراش، وفتح النافذة !، وصراخ الكنارى على أشده:
سووووووو !.. سووووووو !..
كفوا عن الصراااااخ !
ويطير " فارس "
محلقا بجناحيه.. كان القمر بازغا.. وصوته يجلجل في الفضاء:
إني قااااادم م م م !..
ويفتح " فارس "
قفص الكناري، وكل أقفاص الطيور.. صائحا:
طيري طيري.. يا عصافير
الكناري !..
أسراب الطيور تحلق في
الأفق.. وتغنى نشيد الحرية.. ويصدح الكروان:
الملك لك يا صاحب الملك..
وهاهو " فارس "
وقد علته الفرحة، بينما تتألق عيناه بالدموع.. ينقر عصفور الكناري زجاج النافذة..
يصحو " فارس " من نومه، وينظر إلى النافذة، وقد علته ابتسامة، ويهتف في
فرحة:
عصفور الكناري !..
يفتح " فارس "
النافذة، فيدخل عصفور الكناري، ويحلق فوقه:
سوسو سوسوسو !.. سوسو
سوسوسو !..
لم يكن صراخا، أو بكاءً
بغير دموع، وإنما كان غناءً عذبا يعبّر عن السعادة، والحرية، وتألقت في عيني
" فارس " ابتسامة رائعة !.
حمدي
عمارة
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
للمزيد
حدوثة
قبل النوم قصص للأطفال
كيف
تذاكر وتنجح وتتفوق
قصص
قصيرة معبرة
معالجة
المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
قصص
قصيرة مؤثرة
مراهقون:
مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
تربية
الأبناء والطلاب
مواضيع
حول
التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضًا وأيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق