الْرِياضَة تُنَشّطُ الجِسْمَ والْعَقل وتُقوّيهِما، وتُفيدُ صاحِبَها ساعةَ الْخَطَرِ..!
يقول أرْنِسْت همنجواي: لَقَدْ مُتْتُّ وعِشْت مَرَّتَيْنِ اثِنْتَيْنِ، وأنا في رحْلةِ قَنْصٍ مع زَوْجتي بغابات إفْريقْيا الشّاسِعةِ.
بيْنَما نَحْنُ عائدان، فَرحَيْنِ بما صِدْنا مِنْ حيواناتِ، إذا بالطّائرة الّتي تَقلُّنا تَميلُ بنا شَيْئاً فَشَيْئاً، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أنْ توَقّفَ مُحَرّكُها، فَتسْقطَ في نَهْرِ النّيل..!
وهَكذا نُشرَ خَبَرُ وَفاتي
بالْجَرائدِ الصّباحيّة بعَناوينَ بارِزَةٍ: "الطّائرةُ تَتَحَطَّمُ بالكاتِب
الكبير أرْنِسْت هِمِنجْوايْ"، "كاتِبُ (وَداعا يا سلاحُ) يَلْقى حتَفَهُ"،
"مَصْرَعُ هِمِنِجْوايْ في تَحَطُّمِ طائرةٍ"، غَيْرَ أنّ الجَرائدَ
الْمَسائية ستَنْشُرُ خَبَراً سارّاً، تُبشِّرُ فيه أهلي وأصْدقائي وقُرائي: "نَجاةُ
هِمِنجْوايْ مِنْ مَوْت مُحقّقٍ". "هِمِنجْوايْ يَنْجو من الْمَوْتِ
بأعْجوبة"!
- كَيْفَ حَدَثَ كُلُّ هذا؟!
- عِنْدَما سَقَطَتْ بنا
الطّائرةُ في نهر النّيل، لَمْ نَخَفْ أو نَيْأسْ. تماسَكْنا وضَبَطْنا أنْفُسُنا،
نُفكّرُ فيما يَنْبغي أنْ نَفْعَلَ، كأنَّ شَيْئاً لَمْ يحْصُلْ!
حَبَوْنا على أيدينا وأرْجُلنا،
مِنْ هُنا إلى هُناكَ، منْ هنا إلى هناكَ، حتّى عَثرْنا على مَنْفذٍ ضيّقٍ،
تسَلَّلْنا مِنْهُ بالْكادِ..!
لكنْ، كَيْفَ نَتَخَلَّصُ منّ
النَّهْرِ الْعَظيمِ؟!
الْمِياهُ تَجْري بسُرْعةٍ
فائقةٍ، وضِفّتاه مُتباعِدَتانِ..!
في تِلْك اللّحْظة، لَمْ
نشْعُرْ إلاّ وأيْدي السّباحينَ تَمْتدّ من زوْرق لتُنْقذنا من الغَرَقِ.
وبَيْنما نحْنُ في الزَّورَقِ،
نَتَلَقَّى الإسْعافاتِ ونُغيّرُ ثِيابَنا الْمُبَلّلةَ، إذا بطائرة الإنْقاذٍ
تَظْهرُ.. ويبْدو أنها كانتْ تَبْحثُ عنّا، في هذه النّاحية وتِلْكَ..
صَعِدْنا السُّلّمَ
الْمُتَدَلّي، ورَكِبْنا الطائرة فَرحَيْنِ بنَجاتِنا.
وما كادَتْ تُحلّقُ بنا عالياً،
حتّى مالَتْ بنا شَيْئاً فشيْئاً، ووَقَعَتْ هيَ الأخْرى، والنّارُ تُدَلّي ألْسِنَتَها
منها..!
يا لَحَظّنا التْعسِ!
لمْ نعْرفْ مِنْ أين تَأتينا
الْمَصائبُ؟!
وهكَذا نُشِرَ خَبَرُ وفاتي في
الْجَرائدِ الصَّباحيةِ بعناوينَ كبيرة:
"كاتِبُنا
الْكَبيرُ.. وَداعاً"!
"أرْنسْت
هِمِنِجْوايْ يَرْحلُ عنّا".
غَيْرَ أنّ خبراً سارّا
سيُنْشرُ في الجرائدِ الْمَسائية، يُبَشّرُ أقْربائي وأصدقائي وقُرّائي بنجاتي
مِنَ الْمَوْتِ والحريقِ الَّذي أُضرمَ في الطّائرة:
"هِمِنِجْوايْ
ما زالَ حيّا!"
كَيْفَ حَصَلَ ذلكَ؟!
كانتِ النّارُ الْمُشْتَعِلة
تَلْفَحُنا بحَرّها الشّديد، تَلْسعُ أجْسامَنا بلا رَحْمة، وتَمُدُّ ألسنَتَها
الطّويلة لتَلْتهِمنَا لُقْمةً سائغةً.
وكَعادتنا لَمْ نَخَفْ أو
نَتَراجَعْ!.. خَطَرَ ببالي أن أحَطّمَ الْبابَ الْخَلْفيَّ للطّائرة، كيْلا
نَحْترق أو نَخْتنقَ.
وبما أنّني مُلاكمٌ قويٌّ، لَمْ
يَسَعْني إلاّ أنْ أنْهالَ على الْبابِ باللّكماتِ، اللّكْمة تِلْوَ اللّكْمة،
اللّكْمَة تِلْوَ اللّكْمة، بِيَدٍ كأنّها مِطْرقةٌ، حَتّى تَحَطّمَ، وخَرَجنا
سالمينَ فَرحينَ بنَجاتِنا..!
تنَفَّسْتُ الصُّعداء، وأنا
أقولُ في نَفْسي:
- إنّ الْرِياضَة تُنَشّطُ
الجِسْمَ والْعَقل وتُقوّيهِما، وتُفيدُ صاحِبَها ساعةَ الْخَطَرِ..!
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: الأصدقاء عامر وثامر وسامر
قصة للأطفال: الموناليزا اللوحة المسروقة
قصة وحكمة: الأسد القوي والحمل الوديع
قصة وحكمة: عليقة التوت والعصفور الشرير
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق