اختيار بين طاغية أو حربٍ أهلية
في الفترةِ المُبَكِّرَةِ من حُكمِهِ كان إيفان الرابع المعروف بإيفان الرهيب يواجِهُ واقعاً صعباً، فقد كانت البلادُ في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى الإصلاح، ولكن لم يكن في وسعِهِ أن يفرضَه لأن البكوات الذين كانوا يُسيطرون على أنحاء البلاد ويرهبون الفلاحين كانوا يحدّون كثيراً من سلطته.
في
عام 1553 مَرِض إيفان مَرَضاً خطيراً وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وظنَّ أنه
قد شارَفَ على النهاية، فطلبَ من البكوات أن يبايعوا ابنه قيصراً جديداً، فَتَرَدَّدَ
بعضُهم ورَفَضَ آخرون صراحةً، وحينها أَدركَ إيفان أنه لا يملكُ أيَّ سَطوةٍ على
البكوات. تعافي إيفان بعدها من المرض، لكنه لم ينسَ أبداً الدَّرسَ الذي تَعَلَّمَهُ،
فالبكوات متأهبون دائماً للانقضاض عليه في أيِّ لحظةٍ.
الحقيقة
أنه في السنوات التالية ارتَدَّ أكثرُ البكوات سطوةً إلى أَلَدِّ أعداءِ روسيا، أي
إلى بولندا وليتوانيا، وتآمروا معها على العودة إلى روسيا وخَلْعِ القيصرِ عن
العرش بالقوة، بل حتى أن أَحدَهم وهو أندريه کوريسكي وكان من أقرب المقربين من
إيفان انقلبَ عليه فجأة وتآمرَ مع ليتوانيا في عام 1564 وأصبح بعدها من أَلَدِّ
أعداء القيصر.
حين
بدأ كوريسكي في حَشدِ الجيوش لِغزوِ روسيا، ظهرت الأسرةُ الملكية فجأةً مُهَدَّدَةً
أكثر من أي وقت مضى: كان النبلاءُ الخَوَنَةُ يكيدون من خارج البلاد للغزو من جهة
الغرب، وكان التتارُ يحملون على البلاد من الجنوب، بينما كان من تَبَقّى من
البكوات يُثيرون الفتن في الداخل، وكان اتِسّاع الأراضي الرُّوسية يعمل ضدها،
ويجعل من الصعب الدفاع عنها. ووجد إيفان أنه لو ضَرَبَ في اتجاهٍ ينكشف ضعفُه في
اتجاهٍ آخر، ولم يكن في مقدوره أن يتعامل مع هذا الخطر الأخطبوطي مُتعدد الأذرع
إلا إذا كانت له السلطة المطلقة؛ لكن لم تكن له مثل هذه السلطة.
ظلَّ
إيفان يُفكِرُّ مَلِيّاً بحثاً عن حلٍّ إلى أن جاء صباح الثالث من ديسمبر عام 1564.
في هذا اليوم استيقظَ سكان موسكو على مشهدٍ أدهشهم وحيرهم: مئات الزَّلّاجات تملأُ
ميدان الكريملين تنقل القيصر ورجال الصفوة الحاكمة مع ممتلكاتهم إلى مَقَرِّهم الجديد في إحدى القرى
جنوب العاصمة. لم يعرف الناس الأسبابَ، واجتاحَ العاصمةَ خوفٌ من أن يكون القيصر
تخلى عنهم للبكوات القُساة، وتصاعدَ الشغبُ، وأُغلِقَت المحلات طوال الشهر التالي،
وأخيراً وَصَلَ خطابٌ من القيصر يَشرحُ فيه أنه لم يعد يَحتمِل خِيانَة البكوات،
وأنه قَرَّرَ التنازلَ نهائياً عن العرش.
كان
لِخطابِ القيصرِ تأثيرٌ مُرَوِّع: اتَّهَمَ التجارُ والعامةُ البكوات بأنهم السببُ
في قرار القيصر، وخرج الناسُ إلى الشوارع، وخافَ النبلاءُ على حياتهم من غضب
الجماهير. بسرعة تَشَكَّلَ وفدٌ من ممثلين عن الكنيسة والأمراء والشعب، وتوجهوا
إلى المقرّ الجديد للقيصر يتوسلون إليه أن يعودَ للحُكم، فاستمعَ إليهم حتى انتهوا
وفي النهاية رَفَضَ، ظلَّ الوفدُ يَتَرّجى القيصرَ لأيامٍ، وأخيراً عَرَضَ عليهم
إيفان الاختيار بين إمرين: إما أن يَمنحوه السلطةَ المطلقة، أو أن يبحثوا لهم عن
حاكمٍ جديد.
في
مواجهة الاختيار بين القبولِ بحاكمٍ طاغيةٍ، أو الدخول في حربٍ أهلية، «اختارت»
أغلبُ الطبقات في روسيا القبول بالقيصر القوي، وطالبوا بعودة إيفان لاستعادة
القانون والنظام. بالفعل عاد القيصرُ وحاشيتُه في فبراير وسط احتفالات شعبية
حاشدة، بعدها لم يمكن للروس أن يتذمّروا من طغيان إيفان، لأنهم هم من مَنحوه هذه
السطوة باختيارهم.
المصدر: THE 48 LAWS
OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)
إقرأ أيضاً:
قصة مؤامرة: خائن البلاد يقود العباد
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق