التماسك وترکيز الجهود هو الأساس في النجاح وبناء السطوة
كانت لآل روتشلد للصرافة أصولٌ متواضعةٌ في الجيتو اليهودي في فرانكفورت بألمانيا، وكانت القوانين القاسية في المدينة لا تسمح لليهود بمخالطة غيرهم خارج الجيتو، لكنهم وظفوا ذلك لمصلحتهم حيث نَمّى فيهم روح الاستقلال والإصرار على المحافظة على ثقافتهم مهما كانت الظروف.
كان
ماير امشيل وهو أول فرد من آل روتشلد يتمكن من جمع ثروة من إقراض المال في أواخر
القرن التاسع عشر؛ قد تَعَلَّمَ قيمة ما يمنحه الجيتو من التماسك وتركيز الجهود
وما ينتج عن ذلك من سطوة.
أولاً
وبدلاً من تشتيت جهوده تحالفَ ماير أمشيل مع أسرة واحدة قوية تحتكرُ عربات الأجرة،
وأصبح المصرفي الأساسي لهم. ثانياً لم يَأْتمن أي غرباء على أعمال الأسرة، فلم يكن
يوظف إلا أبناءه أو أقرب أقربائه رائياً أنه كلما تماسكت الأسرة وتَوَثَّقَتْ عُراها زادت سطوتها. وبسرعة تَولّى
أبناءُ ماير أمشيل الخمسة إدارة الأعمال. وحين حضره الموت عام 1812
لم يترك ماير أمشيل ميراثه لابنٍ واحدٍ بل أمر أن يستمر الجميع في الحفاظ على
تقاليد العائلة بأن يَظَلّوا مُتوحدين وأن يُبعدوا عنهم التَّفَكُّكَ وتَسَرُّبَ
الأغراب بينهم.
رأى
أبناء ماير امشيل أن المدخل لِنَيْلِ الثراء الواسع يكمن في التعامل مع اقتصاد
أوروبا ككيان واحد وليس بربط أنفسهم ببلد أو بقطاع منفرد. استطاع الأبناء الخمسة
الإحكام على أسواق المال بأوروبا بأن وزعوا أنفسهم بحيث يتحكمون بكل مناطق النفوذ؛
افتتح نيثان متجره في لندن وفي عام 1813
انتقل جيمس إلى باريس وظل أمشيل في فرانكفورت وتوجه سليمان إلى فيينا بينما ذهب
الابن الأصغر کارل إلى نابلس.
عَرَّضَتْ
هذه الشبكة المُوَسَّعَة آل روتشلد للمخاطر التي كان قد حَذَّرهم منها أبوهم أي تَشتيت
أنفسهم والانقسام وتبديد طاقاتهم، إلا أنهم استطاعوا أن يتفادوا هذه المخاطر وأن يُرسخوا
أنفسهم كأكبر قوة في السياسة والاقتصاد بأوروبا بأن عادوا إلى إستراتيجية الجيتو -
أي بإبعاد الأغراب وتركيز جهودهم. أسس آل روتشلد أسرعَ نظام تَجَسُّسٍ ونَقلٍ
للمعلومات في أوروبا كان يسمح لهم بالتقدم على منافسيهم.
كانت
اتصالاتهم الداخلية ومراسلاتهم تُكتب بلغة يديش فرانکفورت وبشفرة لا يعرف رموزها
إلا الأخوة روتشلد، ولذلك لم تكن هناك جدوى لأعدائهم من سرقة رسائلهم. وقد اعترف
أحد الممولين الذين حاولوا اختراق نظام العشيرة «حتى أذكى المصرفيين لا يستطيع أن
يجدَ طريقه داخل متاهات آل روتشلد».
في
عام 1824
رأى جيمس أن الأوان قد آن له أن يتزوج، وكان ذلك مشكلة لأنه كان يعني إدخال امرأةٍ
غريبة إلى عشيرتهم قد تُفشي أسرارهم، ولذلك قرّر جيمس أن يختار من العائلة، تزوج
ابنة أخيه سليمان، وفرح الأخوة بهذا الحلّ وجعلوه سياسة للعائلة في حلّ مشكلة
الزواج. بعد عامين زَوَّجَ نيثان ابنته لابن سليمان، وخلال سنواتٍ رَتَّبَ الأخوة
الخمسة ثماني عشرة زيجة فيها بين أبنائهم كانت ست عشرة منها بين أبناء العمومة.
قال
سليمان روتشلد ذات مرة «نحن أَشبهُ بتروس الساعة التي لا يمكن الاستغناء عن أيٍّ
منها». وكما في الساعة كان كل جزءٍ من أعمالهم يتناغم مع باقي الأجزاء، وكذلك كانت
تحركاتهم الداخلية خَفِيَّةً عن العالم الخارجي الذي لم يكن يرى إلا الواجهة التي
تتقدم باستمرار. وبينا انهارت للأبد أُسَرٌ قويةٌ وعريقة أثناء النصف الأول
المضطرب من القرن التاسع عشر، أَدَّت العُرى الوثيقة والتماسك الداخلي بآل روتشلد
لا إلى البقاء فقط بل إلى جمعهم لثروةٍ ونفوذٍ لم يسبقهم إليها أحد في التاريخ.
المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN
إقرأ أيضاً:
قصة وحكمة: بسمارك يخدع بلوم المفاوض النمساوي
قصة مُخَيّبة: الخروج من المأزق
قصة للأطفال: علاء وجده والعملية الحسابية
قصة وحكمة: إن كنت الأضعف فلا تحارب
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق