ليست قيمة المخلوقات في أشكالها بل في عطائها
تَأَلَّمَ أحمدُ بشدةٍ حينما هزأ به تلاميذُ المدرسةِ وسخروا من لون عينيه الزرقاوين وكانوا ينادونه بالْقِطِّ أحمد. فمرة يقولون... جاء القطُّ إلى الفصل وليس لدينا سمكٌ نطعمه اياه!، ومرة في الملعب ينادونه أيها القطُّ هل تريد أن تلعب معنا كرةَ القدم، إذا أردت أن تلعب فضع نظارة على عينيك!
سار
أحمدُ قرب البحرِ وراح يتأمل زُرقَةَ الماء التي تشبه زرقة عينيه، وفجأة أَحَسَّ
وكأنّ ماءَ البحرِ قد امتد ليملأَ عينيه، ثم أَحَسَّ وكأن البحرَ يحتضنه بحنانٍ
ويسأله: لماذا أنت حزينٌ يا صديقي؟!
تساقطت
الدموعُ من عيني أحمد، واختلطت بماِء البحر وقال: التلاميذ في مدرستي يهزأون مني
بسبب لون عيني الزرقاوين ويقولون إنني أُشْبِهُ القِطَطَ!
تتابعت
أمواجُ البحرِ وكأنها شفاهٌ تنفرج مبتسمةً وقالت: لأنك تختلف عنهم هزئوا بك ولم
يلعبوا معك! أنتم البشر دائماً ما تسخرون بعضكم من البعض الآخر لاختلافِ ألوانِكم
أو بلادِكم أو أعمالِكم، ولا تنظرون للكائنات التي خلقها اللهُ مختلفةً بعضها
بعضًا، لكنها لا تفعل ما يفعل أصحابُك!
توقفت
دموع أحمد وقد شَدَّهُ حديثُ البحر وسأل: وكيف ذلك يا صديقي البحر؟
ارتَطَمَتْ
أمواجُ البحر بِشِدَّةٍ على الشاطئ وغَمَرَتْ ساقي أحمد وأجاب:
انظر
يا أحمد إلينا نحن البحار لقد خلقنا اللهُ في أماكن مختلفة وخلق أنهاراً ومحيطات
تختلط مياهنا مًعا ولا نُعيب بعضنا بعضًا، عذوبتنا أو ملوحتنا كلٌ منا يجري في
أرضه ويغمرُ البشرَ بخيراته ومنافعه من مياه شرب وأسماك وأصدافٍ ومحارٍ ولؤلؤٍ
ومرجانٍ ومناظرَ تَسُرُّ المتأملين وتُعجِبُ المتفكرين.
حَطَّتْ
فراشةٌ ملونة على كتف أحمد ثم سرعان ما طارت بعيدًا فنثر البحرُ شيئاً من مائه على
وجه أحمد لِيُنْعِشَهُ وتابع حديثه: هل رأيت الأشجارَ تتشاجر يوماً بسبب اختلاف
خضارها أو اختلاف شكل أوراقها وأزهارها وثمارها؟ هل رأيتَ أو سمعتَ أن شجرة حملتْ
أغصانها وهدّدت باقي الأشجار والنباتات أن يصبحوا مثلها أو أنها ستُعلن الحرب
عليهم وسيكون الهلاك مصيرهم؟!
ابتسم
احمد للمثل الذي ساقه البحر ونظر حوله ونزع ثيابه وألقى بنفسه في أحضان الأمواج
وهو يجيب البحر: لم يحدث ذلك ولا مرة واحدة يا صديقي!
دارت
الأمواجُ بأحمد يمنةً ويسرةً ووشوش البحر في أذن أحمد: الكون المتسع خلقه الله
ينعم بمخلوقات وكائنات حية وغير حية، أفلاك ونجوم، كواكب وأقمار، جبال وزرع
وأشجار، حيوانات تطير وأخرى تزحف وتسير، كل له مهمة في الحياة يؤديها، وفي الكونِ
يعيش كائنُ واحد عاقل اسمه الإنسان، يعادي إخوانه من البشر بسبب اختلافهم عنه في
بعض الأفكار والصفات ولا يرى في ذلك حكمة الله الذي لم يخلق العالمَ على صورة
واحدة أو لون واحد!
خبط
أحمد الماء بيديه وانكمش يسبح وقال: أنت عظيم يا صديقي البحر!
رفعت
الأمواجُ أحمدَ عاليًا ثمَ انحدرتْ به وهتف البحر: ليست قيمة المخلوقات في أحجامها
وأشكالها وألوانها، قيمتها الحقيقية في عطائها والخير الصادر عنها ولو أن أصدقاءك
في المدرسة لم ينظروا إلى عينك ونظروا إلى صفاتك الجميلة الأخرى لوجدوا فيك صديقًا
لطيفًا وطيباً كما أراك الآن!
ضحك أحمد وهو يَرتَدُّ نحو الشاطئ وعلّق: سيعرفون ذلك في يومٍ من الأيام يا صديقي البحر فلا تخشَ شيئاً.
إقرأ أيضاً:
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق