حكاية شعبية من أوكرانيا
اختصم
شقيقان أمام أحد القضاة، ولما كانت القضية شديدة الغموض، فلقد قال لهما: سوف أطرح عليكما ثلاثة
أسئلة، ومن يستطع منكما أن يجيب عليها سأصدرُ حكمي لصالحه.
وهنا صاح الشقيقان: موافقان.
بدأ
القاضي فقال: هذه هي أسئلتي.
السؤال
الأول: ما هو أفضل ما يملأُ بطنَ
الإنسان؟
السؤال
الثاني: ما هو أحسن ما يسعده في
حياته؟
السؤال
الثالث: ما هو أسرع ما يسافر؟
وأضاف
القاضي: والآن اذهبا إلى بيتيكما
وفَكِّرا في الإجابة بهدوء وبوسعكما أن تأتيا إليّ غدا كي أستمع إلى جوابكما.
انطلق
الشقيقان وفي طريقهما إلى بيتيهما. قال الشقيق الأكبر لنفسه:
يا لها من أسئلة بلهاء! فلا يحتاج الأمر مني أن أفكر بهدوء كي
أعرف أن اللحم هو أفضل ما يملأ بطن الإنسان، وأن المال هو أحسن ما يسعده في حياته،
وأن الأسرع هو بين ذوات الأربع وبالتحديد كلب الصيد. وبذلك سيقضي القاضي غداً
لصالحي.
ولكن
الشقيق الأصغر لم يستطع التركيز أو التفكير. وعاد إلى البيت مهمومًا يهاجمه شعورٌ
بالحزن.
وكان
لهذا الشقيق الأصغر ابنة صغيرة تدعى «ماروسكا». وعندما رأت والدها حزينًا سألته
عمّا يقلق باله. فرد عليها: يتعين عليَّ أن أجد
الإجابة على ثلاثة أسئلة صعبة وضعها القاضي لي.
وعندئذ
قالت الفتاة الصغيرة: وما هذه الأسئلة يا أبت؟
فما
كان من الشقيق الأصغر إلا أن أخبر ابنته بالأسئلة الثلاثة. وإذا بها تبلغه من
فورها بالإجابات الثلاث:
-
إنها «الأرض» أُمُّنَا الكبرى التي تُعَدُّ أفضل ما
يملأ بطن الإنسان، فالأرض هي التي تنتج كل الخيرات التي نتغذى عليها جميعًا. وهو
النوم الذي يعطينا أسعد اللحظات في حياتنا، فالنوم هو الذي نترك من أجله كل ما
جمعنا من كنوز، وهو «الفكر» الذي يسافر أسرع من أي شيء آخر في الدنيا، فهو الذي
ينقلنا إلى أي مكان نرغب في الوصول إليه في أقل من طرفة عين.
رد
الشقيق الأصغر: الحق معك يا صغيرتي ولسوف
أَنقُلُ للقاضي هذه الإجابات الرائعة.
وفي
اليوم التالي توجه الشقيقان إلى القاضي. وما إن رآهما حتى سألهما عمّا إذا كانا قد
اهتديا إلى الأجوبة السليمة. فردا معًا:
-
نعم.
تقدم
الشقيق الأكبر وهو واثقٌ من صحة الأجوبة التي توصل إليها وقال: اللحم هو أفضل ما يملأ بطن
الإنسان، والمال هو أحسن ما يسعده، وكلب الصيد هو الأسرع.
وهنا
قال القاضي: لا، لا، لقد جَانَبَك
الصواب (لا تقول الصواب).
ثم
التفت إلى الشقيق الأصغر وقال: الآن حان دورك ولعلَّ
التوفيق يحالفك!
بدأ
الشقيق الأصغر:
-
جواب السؤال الأول هو: «الأرضُ» فالأرضُ هي التي تغذي
الإنسان طوال عمره. وجواب السؤال الثاني هو: «النوم» فمن أجله ينسى المرء كل ما
يملك. أما جواب السؤال الثالث فهو: «الفكر» الذي يحمل المرء إلى حيثما يريد في
ومضة عين.
وهنا
قال للقاضي: صَدَقْتَ. ولكن هل لك أن
تخبرني عمّن ساعدك في التوصل إلى هذه الأجوبة الصحيحة على أسئلتي؟
وهنا
رد الشقيق الأصغر: ابنتي الصغيرة «ماروسكا»!
فإذا
بالغضب يهاجم القاضي. ويصيح: كيف أكونُ ذلك الحكيم الذي
ذاع صيته (اشتهر) في كل الأصقاع (الأماكن) ثم تجيب طفلة صغيرة على أسئلته الصعبة؟
اغرب
(اذهب) الآن من وجهي. وخذ هذه البيضات العشر المسلوقة معك إلى البيت واطلب من
ابنتك تلك أن تضعها تحت إحدى الدجاجات حتى تفقس قبل طلوع نهار الغد وتربيها حتى
تسمن كي تأتي لي بثلاث منها، بعد تحميرها، على الإفطار. ولسوف أنتظر قدومك فور
استيقاظي من النومِ غدًا وإلا فإنني سَأُحِيلُ حياتك إلى جحيم.
عاد
الشقيقُ الأصغر تعيسًا إلى بيته وبلغت تعاسته حد امتلاء عينيه بالدموع. وما إن
رأته «ماروسكا» حتى سألته: ماذا يحزنك يا أبتاه؟
حكى
الشقيقُ الأصغرُ ما دار بينه وبين القاضي من الألف إلى الياء.
تبسمت
«ماروسكا» وقالت: خذ يا والدي إناء الثريد
(خبز يبلل بالمرق) هذا إلى القاضي واطلب منه أن يحرثَ قطعة من الأرض ويزرع الثريد
فيها ويحصد القمح متى نضج، ويدرسه ويرسله إلي كي أغذي عليه الكتاكيت التي ستفقسها
بيضاته العشر.
حمل
الشقيق الأصغر إناء الثريد إلى القاضي وأنهى إليه مطالبَ ابنته.
تطلع
القاضي إلى إناء الثريد وتطلع إليه مرة أخرى ثم ألقى به إلى الكلاب. وبعد ذلك
بقليل تطلع حواليه فرأى ساقًا من الكتان. فقال للشقيق الأصغر:
خذ هذه الساقَ إلى ابنتك واطلب منها أن تنقعها وتجففها وتصقلها
وتصنع منها مئات الأذرع (الذراع وحدة طولية قديمة) من القماش. وإذا لم تستطع فلسوف
أُضَايِقُكَ.
مضى
الشقيقُ الأصغرُ إلى ابنته والدموع تنهمر على خديه. وعند باب البيت قابلته
«ماروسكا» التي سألته عمّا به فقال: لم أعد أستطيع أن أَتَحَمَّلَ
أكثر مما فعلت يا صغيرتي.
وحكى
لها ما كان بينه وبين القاضي.
استمعت
الفتاةُ إلى والدها صامتةً. وبعد ذلك تناولت سكينًا، وخرجت إلى الغابة، وقطعت
غصنًا رفيعًا من إحدى الأشجار، وأعطته لوالدها. وقالت:
خذ هذا الغصن إلى القاضي، واطلب منه أن يصنع منه مشطًا من
المعدن، ومغزلاً من العاج حتى أغزل به الكتان.
أخذ
الشقيق الأصغر الغصن إلى القاضي وأخبره بما قالته «ماروسكا».
تَطَلَّعَ
القاضي إلى غصن الشجرة. عاد إلى التطلع إليه مرة أخرى ثم ألقى به جانبًا.
فَكَّرَ
القاضي بينه وبين نفسه أن هذه الفتاة حادة الذكاء ويبدو ألا سبيل أمامه كي يُلْحِقَ
بها الهزيمة. ولكنه فَكَّرَ في الأمر مَلِيًّا ثم قال للشقيق الأصغر:
-
اذهب إلى ابنتك واطلب منها أن تأتي لزيارتي، ولكن
بشروط: ألا تأتي ماشية أو راكبة وألا تأتي حافية أو منتعلة شيئًا، وأن تحضر معها
هدية، وألا تحضر معها أي هدايا في الوقت نفسه. وإذا لم يحدث ذلك، فلن ترى بعد الآن
إلا أيامًا مزعجة.
عاد
الشقيقُ الأصغرُ إلى البيت والدموعُ ملء عينيه. وعند الباب أخبر «ماروسكا» بطلب
القاضي وشروطه، ثم سألها: والآن ماذا سنصنع يا
صغيرتي؟
ردت
«ماروسكا»: لا تحزنْ يا والدي العزيز.
فالأمرُ بسيطٌ ولن يتمكن القاضي منا. ما عليك إلا أن تذهب إلى السوق كي تشتري لي
أرنبًا حيًا.
وهذا
ما كان من الأب. وسرعان ما استعدت «ماروسكا» للرحلة إلى القاضي. في بادئ الأمر
أحضرت زحافة وشدتها إلى رقبة عنزة، ثم اصطادت عصفورًا دوريًا، وبعد ذلك لبست فردة
حذاء في قدمها اليسرى، ثم تركت اليمنى حافية. وبعد ذلك أخفت الأرنب الحيّ تحت
إبطها ووضعت قدمًا على الزحافة وتركت الأخرى تمشي على الأرض. وقبضت بيدها على
العصفور الدوري وانطلقت إلى بيت القاضي.
وما
أن رآها القاضي قادمةً من بعيدٍ حتى أدرك أن الفتاة الصغيرةَ تَفَوَّقَتْ عليه،
فما كان منه إلا أن طلب من الخدم أن يطلقوا الكلابَ عليها. ولكن الفتاةَ الذكيةَ
تنبهت في اللحظة المناسبة وأطلقت الأرنبَ من يدها فإذا بالكلاب تنشغل عنها بالأرنب
وتجري وراءه.
وصلت
الفتاة الذكية إلى بيت القاضي. ألقت عليه التحية المناسبة ثم قالت: هذه هي الهدية التي جئتك
بها.
ومدت
يدها إليه بالعصفور الدوري، ولكن العصفورَ صفّق جناحيه ثم طار عبر الشباك قبل أن يتمكن
القاضي من وضع يده عليه.
وفي
هذه اللحظة، حضر رجلان يتخاصمان وكانا يحدثان جلبةً (ضوضاء) عالية في فناء البيت.
خرج
القاضي إلى سقيفة الباب. وقال: ماذا وراءكما وفيمَ
تختصمان؟
انبرى
أحد الخصمين كي يقول: نمنا أنا وهذا الرجل في
الحقل، وعندما استيقظنا في الصباح كانت فرستي قد ولدت مهرًا.
صاح
الرجل الآخر: هذه كذبة نكراء يا صاحب
السعادة. فرستي أنا هي التي ولدته.
أمعن
القاضي النظر في الأمر ثم قال للخدم: أحضروا الفرستين هنا،
وكذلك المهر المولود. وسيجري المهر نحو أمه، وبذلك نصل إلى الحكم السليم.
أحضر
الخدم الخيول الثلاثة إلى الفناء ثم قيدا الفرستين، وتركا المهر المولود حرًا.
وهنا أخذ الرجلان كلاهما يصفّران للمهر ويستحثانه للجري في هذه الجهة وتلك، وهو
الأمر الذي أَرْبَكَ المُهْرَ فترك الفناء وأخذ يجري بعيدًا بدلاً من التوجه إلى
إحدى الفرستين المقيدتين. وهنا أسقط في يد الجميع، فوقفوا عاجزين عن فعل أي شيء.
فما كان من «ماروسكا»، إلا أن تقدمت وقالت:
-
كان ينبغي أن تفعلوا عكس ما فعلتموه. اتركوا الفرستين
حرتين بلا أي قيود، وإحداهما هي التي ستجري نحو ابنها.
وهذا
ما كان، ما إن فَكَّ الخدمُ قيود الفرستين حتى جرت إحداهما إلى المهر الصغير.
وعندها
ترك القاضي «ماروسكا» ووالدها يعودان إلى البيت سالمين معافين بعد أن أيقن أن هناك
من هو أحكم منه، وأنه لن يتمكن أبدًا من التغلب عليها!
بيومي قنديل
قصة مُخيّبة: اتقوا شرّ من أحسنتم إليه
قصة تاريخية: الحقائق تغلب العواطف في أثينا
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق