نسيتُ أنه اليوم الأول من رمضان
عاد عادل حزينًا من المدرسةِ ولاحظ جدُّه ذلك فسأله عن سببِ حزنه فأجاب: لقد نسيتُ ان اليومَ هو الأولُ من رمضانِ وفي فرصةِ اللعب في المدرسةِ جريت كثيرًا حتى عطشتُ فشربتُ بعض الماءِ وشاهد ذلك زملائي فوقفوا يضحكون ويعلقون مرددين:
عادل
يا فاطر رمضان مثل الأطفالِ الصغار.ِ وعندما أخبرتهم بأني نسيتُ ولم أقصدْ ذلك لم
يصدقوا وظلوا ينقلونَ الخبرَ الى كلِّ التلاميذ في الفصول المختلفة!
ابتسم
الجدُّ وقال: مادُمتَ نسيتَ ولم تتعمد شربَ الماءِ فلم يتضررْ أو يفسد صيامُك أما
الذين لم يصدقوك فذلك شأنُهم ولا تشغل بالَك بهم!
نظر
عادل إلى جدِّه وسأل: هل ينسى الكبارُ مثل الصغارِ يا جدي؟! هل يمكن ان أصبحَ مثل
الكبارِ فلا أنسى شيئاً؟!
ضحك
الجد وعلق: من قال إن الكبارَ لا ينسون أيضًا!
ثم
اقترب الجد من أذن عادل وهمس:
-
سأقول لك سرًا لكن لا تخبر أحدًا، أنا اليومَ نسيتُ
أيضاً أنه اليومُ الأول من رمضان وأعددت لنفسي شطيرةً في الصباحِ الباكرِ وعندما
تناولت قليلاً منها تذكرت فتوقفت..
ابتسم
عادل وهمس لجده:
-
سرُّك في بئرٍ.. لن أُخبر أحدًا.
وقال
الجد: سأحكي لك حكايةً لطيفة، عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري كنتُ أساعدُ
والدي في أمور المعيشة، أحمل كل يوم سلةً من الفواكه والخضار على رأسي وأجولُ بين
المنازلِ والبيوتِ وغالبًا ما كنت أتأخرُ في النومِ صباحًا مما يغضب والدي ويتهمني
بالإهمالِ والتقصيرِ في طلبِ العيشِ، وفي أحد الأيامِ استيقظت باكرًا جدًا، وقبل
والدي أيضًا جهزت سلتي وحملتها ورحتُ أجولُ وأصيح بأعلى صوتي: «فواكه خضار، بأحلى
الأسعارِ»... لكن لم يجب ندائي أحد ولم يفتح بابًا أو شباكًا ليطلب شيئًا من
بضاعتِي.
كان
السكونُ والهدوءُ غامرًا كل الطرقِ والسككِ بين البيوتِ، لم يكن هنالك أي حركة لأي
أحد، لقد تعجبتُ لذلك الأمرِ ففي مثل هذا الوقتِ من كل يومٍ يكون الناسُ في كل
مكانٍ لكن ذلك اليومَ لم يكن أحدٌ يسيُر أو يذهبُ لتأدية عملِهِ، تساءلت ما الذي
حدثَ؟ وأين ذهبَ الناسُ؟!.. ظللت أسيرُ في نفسِ الطرقاتِ مراتٍ عدة، وأصيحُ بأعلَى
صوتِي، لكن دون فائدة، ثمّ اخترتُ ممرًا طويلاً وضيقًا بين بعضِ البيوتِ لأسير
فيه، في الحق شعرتُ بوحشةٍ وخوفٍ لخلوِّ المكانِ من أي حركة ونَفَس، وفجأة سمعت
صوتًا ضخمًا يدبُّ على الأرضِ خلفي بسرعةٍ، ولم أشعرُ بنفسي إلا وأنا أطلق ساقيّ
للريحِ، وأجري في الممرِّ الضيقِ دون أن أنظر لمصدرِ الصوتِ، كان الصوتُ يزدادُ
ضخامةً وعلوًا، وكأنّ وحشًا سينقضُّ علي، وراحَ تفكيري يعملُ أتراه هذا الوحش مَن
أجبرَ الناسَ على ملازمةِ بيوتِهِم فلم يخرجوا هذا الصباحِ، يا لحظي السيئ، ساعدني
يا رب، وشعرتُ به يقتربُ منّي أكثر فأكثر، وعندما كنت أصل آخر الممر، تذكرتُ أنه
ممرٌ مغلقٌ يسده جدارٌ يصلُ بين منزلينِ، كدتُ أصطدمُ بالجدارِ حين انتبهتُ إلى أن
سلةِ الخضارِ والفواكهِ لا تزال بين يديَّ، وبسرعةٍ قررتُ، سأواجه ذلك الوحشَ
المرعبَ، وسأرميهِ بالسلَّةِ وأتسلقُّ الجدارَ بسرعةٍ، لحظاتٌ والتفتُّ خلفي
وقذفتهُ بالسلةِ وتشبثتُ بالجدارِ، انقضَّ الوحشُ على الخضارِ والفواكهِ يلتهمها،
وخارَ بصوتِهِ قليلاً وكأنه يشكرني على تلك الوجبةِ، استندتُ إلى الجدارِ، وكنتُ
لا أزال أرتجفُ حتى سقطتُ جالسًا على الأرضِ، لم يكن ذلكَ الوحش سوى بقرة يبدو
أنها انفلتت من صاحبِها ثم ظهرَ في الممرِ رجلٌ يجري ومعهُ حبل وعصا يتبعه آخر
بحزمةِ برسيمٍ!
لم
انطقْ بكلمةٍ واحدةٍ، لكنني سحبتُ برتقالةً من أمامِ البقرةِ وقضمتها بقشرِها، كنت
أرغبُ أن أَبِلَّ ريقي الذي جَفَّ لشدّةِ الخوفِ الذي أصابَنِي، حينَها صاح
الرجلان:
-
توقف ألست صائما؟!
-
ماذا؟ صائم!
ضربتُ بيدي على جبيني وتذكرت، كان ذلك اليومَ الأولَ من رمضان لقد أمضى الناسُ ليلتهم ساهرينَ حتى الفجرِ، لذلك تأخروا في النومِ ولم يخرجوا، فاليوم كان إجازةً أيضًا.
إقرأ أيضاً:
قصة مُخيّبة: اتقوا شرّ من أحسنتم إليه
قصة تاريخية: الحقائق تغلب العواطف في أثينا
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق