تقول الأم: "إنه يميل إليها.. ولا يستمع إلي"
لم
يعد يزورني على فترات متقاربة. أتلقى منه مكالمة تليفونية كل صباح. يسأل عني
ويطمئن على أحوالي. وفقط أعلم أنه يستمع إلى زوجته أكثر مما يستمع إلي.
منذ
أن تعرف عليها وهو يميل إليها أكثر مني. يقرر معها كل شيء ويتفق معها على كل صغيرة
وكبيرة. يفعل ذلك على عكس ما يفعله أخوه الأكبر. يأتي إلي أحمد دائما ليأخذ رأيي
في كل أمور حياته.. يشرح لي دخله ومشاكل أبنائه الأربعة وحنان زوجته. عادة ما يأخذ
برأيي عندما يسعى إلى اتخاذ قرار.
تزوج
أحمد منذ عشر سنوات خطبت له حنان. أنجب في البداية بنتا. ثم أنجب بنتا ثانية ثم
ثالثة.. طلبت منه أن ينجب مرة رابعة ليكون لديه ولد يحمل اسم العائلة.. وحدث ذلك..
في المرة الرابعة أنجبت حنان ولدًا.. فرحت به وأطلقت عليه اسم جده. أسميته
إبراهيم.
منذ
أربع سنوات جاء إلي محمد ابنى الثاني وأخبرني أنه تعرف على هناء، المحاسبة في أحدى
الشركات، وأنه يريد التقدم إليها. ذهبت إليها وتعرفت على عائلتها. وجدت هناء
مغرورة بعض الشيء.
بعد
الزواج، حملت هناء وأنجبت توأما.. بنتين.. ليلى ولمياء. كنت أتمنى لو كان أحد
التوأمين ولدًا.. أو أن يكون الاثنان ولدين. ولكن حدث أنهما كانا بنتين.
فهمت
منه أنه اتفق مع زوجته على تأجيل الحمل الثاني.. كما لمحت أنهما لن ينجبا مرة
ثانية.
تذرع
بالإمكانات المادية. قال إن مرتبه ومرتب زوجته يكفيان بالكاد مصاريف الأسرة.
أعرف
أن هذه الخطة ليست خطته. إنها خطة هناء التي استطاعت السيطرة عليه. لقد فرضت عليه
إرادتها. إنها زوجة كسول لا تريد أن تمر بمرحلة حمل أخرى، كما أنها لا تريد تحمل
مسئولية أسرة كبيرة العدد.. تذكرت أيام زمان، عندما كنا نستمتع بالأعداد الكبيرة
من البنين والبنات.
إنني
أملّ وأكره هذا الحديث عن الأزمات المالية. لماذا يخاف محمد من كثرة الإنفاق على
الأبناء. وهل يخلق الطفل الجديد أزمات مالية كالتي تخيف محمد؟ لا أتصور ذلك.. ماذا
يتكلف الطفل. أحمد أخوه نموذج لذلك.. إنه يوفر لأولاده كل شيء.. يوفر لهم الطعام
والشراب والسكن والملابس.. ماذا يريد الطفل أكثر من ذلك ؟
في
أحيان مضت تحدث معي محمد عن أمنياته في توفير حياة أفضل لبنتيه.. تحدث عن أشياء لم
أكن أعرفها ولا أتصورها مهمة لتربية بنات.. ماذا ستستفيد البنت من مدرسة جيدة أو
لعبة متمايزة أو مكتبة في المنزل.. لا أعرف من أين جاء محمد بهذه الأفكار.. من
المؤكد أنها من صنع هناء المغرورة. هي التي أقنعته بعدم أهمية الولد.. إنها تريد
تحقيق طموحاتها في تربية البنتين على حساب "عزوة" ابني محمد وعلى حساب
"عزوة" أسرة أبيه. كم أتمنى أن يستمع إلىّ.. وأن يرمي بآراء زوجته في
سلة المهملات.. لماذا يخافان من إنجاب طفل جديد؟. لماذا يخافان من إنجاب ولد.
هي..
يقول الإبن: "لن أكرر المأساة"
توترت
علاقتي بها في الفترة الأخيرة. تباعدت زياراتي لها. إلا أنني أتصل بها يوميًا.
أطلب رقم التليفون وأسألها: "كيف حالك يا أمي؟" تجيبني بشيء من الغضب: "الحمد
لله !!" أتابعها بسؤال آخر "ألا تحتاجين شيئا؟" ترد باختصار شديد
ومتعمد "لا شيء.. الحمد لله عندي كل شيء!!"
بدأت
حالة التوتر منذ عام. أتذكر أني ذهبت يومًا لزيارتها. كنت بمفردي. كانت زوجتي هناء
متعبة جدًا.
جلست
إليها قليلا ثم طلبت منها كوب شاي.. قامت إلى المطبخ. ذهبت معها وأنا أتحدث إليها
وأسألها عن أحوالها وأصدقائها وصديقاته وأمورها المالية، إلى آخر هذه الأمور التي يجب
أن أعرفها حتى أطمئن. سألتني: كم عمر ليلي ولمياء الآن؟ أجبتها.."عامان ونصف
يا أمي" أجابت "إذن لقد حان الأوان لآن تنجب ولدًا. لا يمكن أن تنجب
بنتين وتكتفي بهما.. لا بد أن تنجب الولد ليحمل اسمك."
أجبتها
بكل هدوء "تعلمين يا أمي أننا أنجبنا توأما وأن تربية البنتين معًا ليست
بالعملية السهلة. لقد اضطرت هناء أن تحصل على إجازة بدون مرتب. وبذلك تحملت أنا
وحدي مسئولية البيت ثم الإنفاق الزائد الناتج عن وجود طفلتين معنا". شرحت لها
أنه ليس من المعقول أن نبدأ في مشروع حمل جديد بعد أن بدأت هناء في الانتظام في
عملها. علينا أن نبعد هذه الفكرة لمدة طويلة وربما اضطررنا إلى إلغائها نهائيا..
فلسنا على استعداد لنخوض التجربة مرة أخرى وفجأة نجد أنفسنا أمام توأم ثان".
أعلم
أنه من الناحية العلمية يمكن أن تلد هناء طفلاً واحدًا في المرة الثانية.. لكنها
قد تلد توأما ثانيًا. اتفقنا معا على استبعاد الفكرة الآن كما اتفقنا على احتمال
استبعادها مستقبلا. لقد رزقنا بابنتين، وهذا يكفينا. فنحن في كل الأحوال زوجان
مهنيان يكسبان العيش من العمل ولا يوجد لدينا أي مصدر دخل آخر. علينا أن نركز في
عملنا وأن نجتهد فيه إذا سعينا إلى زيادة الدخل.
أنا
مهندس وهي محاسبة.. وأمامنا مستقبل جيد. في إطار أعمالنا ووظائفنا.
لم
ترتح أمي لهذا المنطق. يومها.. بدأت التحدث إلي بأسلوب لم يعجبني. خاصة عندما كانت
تشير إلى هناء ببعض التلميحات. مثل "إذا كانت هي لا تريد لك ولدًا يحمل اسمك
فلا بد أن تسعى أنت إلى ذلك" ومثل "انظر إلى أخيك.. لقد أرضته زوجته
حنان وأنجبت له ولدًا بعد ثلاث بنات. إنها تحبه ولذلك استمرت تلد البنات إلى أن
أنجبت له الولد الذي سيحمل اسمه واسم جده".
لم
أرد أن أنقل لها معاناة أخي أحمد. إنه يكاد يتمزق من الإجهاد والتعب. لقد اضطر إلى
الالتحاق بعمل آخر حتى يستطيع توفير التزامات أسرته. المسكين، لا يمكث في البيت
إلا يوم الجمعة. الأيام الستة الأخرى نجده طوال الوقت في العمل. ومع كل ذلك يشكو
من الأزمات.
في
النهاية لديه أولاد أربعة وزوجة مستقيلة من عملها لرعاية الأبناء. لا أريد تكرار
هذه المأساة.
هو..
www.facebook.com/awladuna
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق