أخيرًا دقّ جرس المدرسة معلنًا انتهاء وقت الامتحان. فُتح الباب الحديدي الأخضر، وبدأ التلاميذ يخرجون إلى ساحة المدرسة، ثم يتجهون نحو الباب الخارجي حيث ينتظرهم الآباء والأمهات بقلق.
كان بعض التلاميذ يسيرون ببطء، يفتحون قطع الحلوى ويأكلونها بشهية، وكأنهم يعوّضون تعب الامتحان. وآخرون بدوا مرهقين، فالامتحان ليس أمرًا سهلًا، بينما أسرع كثيرون للقاء أهلهم.
تجمّع الأصدقاء في حلقات صغيرة، يتحدثون عن الأسئلة، وطول الامتحان، والسؤال الخامس الصعب، وعن مراقب القاعة الصارم. وفجأة توقف الحديث عندما مرّوا بدكان المدرسة، فاقترح أحدهم الاحتفال بانتهاء الامتحان بمشروب مثلّج. شربوا وهم يضحكون، ثم تذكّر كل واحد منهم أن أحدًا ينتظره، فغادروا واحدًا تلو الآخر مسرعين نحو الباب.
أما أحمد، فبقي قليلًا. كان يحتسي مشروبه ببطء، وفكّ رباط عنقه، واستند إلى جذع شجرة كبيرة في ساحة المدرسة. وعندما أنهى زجاجته، نظر حوله فوجد الساحة قد خلت تقريبًا. رفع بصره نحو الباب، فرأى أمه تدخل المدرسة وهي تبدو قلقة، لكن قلقها هدأ عندما لمحته يلوّح لها مبتسمًا.
تنفّست الأم بعمق وقالت بلطف ممزوج بالعتب:
– أين كنت يا أحمد؟ خرج الجميع وقلقت عليك.
أدرك أحمد خطأه، فاقترب منها، وقف على أطراف قدميه وقبّلها. ابتسمت الأم وربّتت على شعره بحنان، ثم غادرا المدرسة متجهين إلى السيارة.
وفي الطريق قالت الأم:
– ظننتك تحتاج بعض الهدوء بعد الامتحان.
ابتسم أحمد وقال بهدوء:
– كان الامتحان طويلًا، فجلست أرتاح قليلًا، لكنني بخير.
ابتسمت الأم وقالت مشجعة:
– وأنت تلميذ مجتهد، وطريقة تفكيرك جميلة.
قال أحمد:
– الأسئلة كانت كثيرة، لكنني حاولت أن أجيب عنها بهدوء.
قالت الأم بثقة:
– أعلم أنك تبذل جهدك.
قال:
– خاصة في اللغة العربية.
قالت:
– سنراجع الامتحان بعد الغداء إن شاء الله.
قال:
– إن شاء الله.
سادت لحظة صمت، الأم تركز في الطريق، وأحمد يتأمل المباني من نافذة السيارة. ثم قال فجأة:
– تخيّلي يا أمي، أغرب ما في الامتحان كان موضوع التعبير!
سألته:
– وما هو؟
قال:
– الديك.
تعجبت الأم:
– موضوع عن الديك؟
قال:
– نعم، كان السؤال: اكتب موضوعًا عن فضل الديك عليك.
قالت الأم بهدوء:
– موضوع غير معتاد، ويحتاج تفكيرًا.
قال أحمد:
– شعرت أنه يسمح لي أن أستخدم خيالي.
قالت:
– ألم يكن هناك موضوع آخر؟
قال:
– كان هناك موضوعان، لكن هذا جذبني أكثر.
سألته الأم مبتسمة:
– وماذا كتبت؟
قال أحمد:
– كتبت أن الديك طائر جميل، له عُرف أحمر يميّزه، ويصحو مع الفجر. وذكرت أن صياحه يذكّر الناس ببداية يوم جديد. وحكيت كيف يحمي الدجاجات في مزرعة جدي. وكتبت أن مصارعة الديوك قسوة لا ترضي الله، لأن هذه كائنات خلقها الله لنرحمها لا لنؤذيها.
قالت الأم مشجعة:
– أفكارك مرتبة وجميلة.
أكمل أحمد:
– وذكرت الديك الرومي، وريشه الملون، وصوته المختلف، وكيف يردّ على أصوات الأطفال من حوله.
ضحكت الأم وقالت:
– أطفال الجيران فقط؟
ابتسم أحمد وقال:
– نعم، هذا امتحان رسمي.
وصلت السيارة إلى البيت. نزل أحمد مسرعًا نحو المصعد، بينما بقيت الأم تفكر بقلق: هل خسر ابنها درجات بسبب هذا الموضوع غير المألوف؟
ما إن دخلا البيت حتى قالت:
– أعطني ورقة الامتحان.
قال أحمد مبتسمًا:
– بعد الغداء يا أمي، أحتاج قليلًا من الطعام.
قالت:
– سأقرأ سريعًا لأطمئن، ثم نأكل معًا.
جلست الأم تقرأ ورقة الامتحان في صمت. وما هي إلا لحظات حتى توقفت فجأة، وأسندت ظهرها إلى الكرسي، تحاول أن تُخفي دهشتها وتتمالك انفعالها. رفعت نظرها إلى أحمد وأشارت إليه أن يقترب. اقترب وهو يشعر بالقلق. قالت له بهدوء:
– اقترب يا أحمد، وانظر جيدًا إلى السؤال، واقرأه بتركيز.
قرأ أحمد السؤال مرة أخرى، فابتسمت الأم ابتسامة هادئة تحمل في طيّاتها درسًا مهمًا، وقالت:
– قبل كلمة الديك يا بني، يوجد حرف الواو… لقد أكلت الواو، وتركت الديك!
ضحك أحمد بخجل، وفهم الدرس جيدًا:
أن القراءة المتأنية لا تقل أهمية عن الذكاء نفسه.
فيسبوك: https://www.facebook.com/ali.ramadan.206789
منصة أكس: https://x.com/AliRamadan54
قصة تاريخية: قصة الإمبراطورية البيزنطية
قصة وحكمة: شجرة الشوح ونبتة العليق
قصة للأطفال: العجوز ذات اليد الحديدية
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق