السبت، 18 يناير 2014

• عادات وتقاليد البيت القروي اللبناني



تحدث جبران خليل جبران عن المنزل فقال: «عليك أن تعي أن بيتك هو جسدك الأكبر، ينمو في حرارة الشمس وينام في سكينة الليل، وكثيرًا ما ترافق نومه الأحلام. أفلا يحلم بيتك؟ وهل يترك الحلم المدينة ويسير إلى الغابة أم إلى رأس التلة؟».

وهكذا عندما نتحدّث عن البيت القروي اللبناني التقليدي ندخل في عالم من الضوء والنور، عالم من الألوان والبساطة في الشكل والتناسب في الأحجام. ندخل حياة مجتمع عاش في بساطة وانسجام مع محيطه، ملهمين بجمال أرضهم، لجأ سكان القرى اللبنانية قديمًا إلى بناء بيوتهم بطريقة تستخدم الأخشاب والصخور المستمدة من الطبيعة حولهم، ويمكن القول إن علاقة هذا المنزل البسيط بالطبيعة حوله هي النقطة الأساسية التي تدور حولها هندسته المعمارية.
ساعد المناخ المعتدل الذي ينعم به لبنان أن يتمتع الناس بالطبيعة الخارجية لأكثر من ستة أشهر بالسنة. حرصت هندسة هذا المنزل بأن تكون مفتوحة على الطبيعة حوله لتحتضنها ولتلتقط النسيم العليل في الصيف والشمس الدافئة في الشتاء من جميع الزوايا. في المنازل البسيطة كان الانفتاح على الطبيعة يتم من خلال نافذة بسيطة تدعى «المند لون» وهي عبارة عن فتحتين مقوّستين مع عامود صغير في الوسط. ويقال إن اسم هذه النافذة مستمد من استخدامها حيث كانت فتاة المنزل تجلس خلف النافذة وتستمع إلى غناء وعزف خطيبها على آلة المند لون. أما المنازل الأكثر ثراء فكانت تحتوي على شرفات تزين بقناطر أنيقة مفتوحة على الوادي تسمح بالتمتع بالطبيعة الخلابة.
كانت معظم هذه المنازل مصنوعة من الحجر المستخدم بطريقة بسيطة من دون وجود أي زخرفات عليه الأمر الذي يشهد على مهارة المعماريين. فكان عملهم متقنًا للغاية حتى إنه لم تكن هناك حاجة لتغطية المفاصل بين قطع الحجارة بشرائح زخرفية. وكانت النوافذ تحدّد ببساطة في الواجهة بإطار نافر لتميّزه عن بقية المظهر الخارجي. أما الزخارف من الحديد أو الجص الموجودة في المنازل الأكثر ثراء، فكانت مستوحاة من الطبيعة وكانت عبارة عن رسومات للأزهار وأوراق الأشجار تتكرر في المنازل المختلفة لتضيف انسجامًا بين الهندسة والطبيعة خارجها.
أما العائلة فكانت تدخل في صلب روح بناء وتصميم هذا المنزل البسيط، فهو الذي يجمع العائلة ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً. وإلى وقت قريب، كان أفراد العائلة يبنون منازلهم في جوار بعضها البعض حتى كان بعضها ملتصقًا بواسطة حائط مشترك مما يسمح لأفراد العائلة أن يبقوا قرب بعضهم ويقتصدوا في بناء المنزل الجديد. وفي بعض القرى عندما يولد طفل جديد في العائلة كان يتم قطع حبل السرة ويعلّق على الباب الرئيسي للمنزل على أمل أن يبقى الطفل عندما يكبر بالقرب من منزله وعائلته. وفي حفلات الزفاف كانت العروس تنتقل إلى منزل عريسها وكانت قبل أن تدخل إليه تقدّم لها قطعة من العجين لتقوم برميها على حائط المنزل من الخارج، وفي حال التصقت عليه هلل الحاضرون لأن في ذلك إشارة إلى أن الزواج سيدوم ويكون مثمرًا وسعيدًا. وهناك عادة أخرى حيث كان يطلب من العروس الدخول إلى منزلها الجديد وهي تسير إلى الخلف ليكون دخولها إليه دائمًا لا خروج منه. وهناك طقوس مختلفة تدخل في بناء المنزل اللبناني لاتزال قائمة إلى اليوم. كان من المفترض أن تتم سقاية أساسات المنزل «بالدم لكي تدوم وتقوى»، إذ كان على مالك المنزل أن يذبح خروفًا أمامه ويسقي أساساته بدمه لكي تصبح أكثر متانة وثباتًا. وجاء هذا التقليد في زمن كان يجتمع فيه الجيران لمساعدة صاحب البيت في المراحل المختلفة لبنائه. وكان صاحب البيت هذا يذبح الخروف ليقدّم لمن يساعده الطعام والشكر. مع الوقت، اكتسبت هذه التقاليد جانبًا روحانيًا وبالتالي استمرّت إلى يومنا هذا، كما أنه لايزال من المألوف أن نجد تحت عتبة العديد من المنازل تعويذة كانت توضع بشكل خفي لتجلب الحظ إلى أهل المنزل وأكثر أهمية من ذلك لتحميه من عين الحاسدين.
وقد بُنيت أقسام كبيرة من المنزل لتتلاءم مع حياة أهل القرى وتفاعلهم مع البيئة المحيطة بهم. وكان البيت اللبناني التقليدي يتألف من غرفة كبيرة تسمى العلية، والتي كما يشير إليها اسمها، هي غرفة عالية عن الأرض تبنى على سطح غرفة سفلى مقببة تدعى القبو. وكان القبو يستخدم لإيواء الحيوانات ولتخزين الخشب والمعدّات الزراعية. وكانت العلية هي مكان العيش للعائلة وتتمتع بأفضل المناظر. أما السطحية الموجودة خارج العلية فهي المكان الذي كانت تجتمع فيه العائلة في المساء للتمتع بالهواء العليل في الصيف وحتى النوم هناك أيّام هذا الموسم الحار. وغالبًا ما كانت السطيحة تغطى بعريشة توفر لها الظل الذي يقيها من الشمس ويحميها من ندى المساء. أما سطح العلية فكان يتطلب التدعيم المستمر لمنع تسرّب مياه المطر في الشتاء، وكان يتم ذلك بواسطة آلة تسمى «المحدلة» التي تستخدم من أجل إغلاق الشقوق. أما طقس العمل بالمحدلة فكان جزءا مهمًا من تحضير المنزل لموسم الشتاء، وكانت الأسطح وإلى هذا اليوم جزءًا مهمًا من المنزل. فقد جعلت أشهر الشتاء الطويلة، شهر سبتمبر شهرًا ناشطًا جدًا في القرى. فبسبب صعوبة توافر بعض المواد الغذائية في الشتاء وغلاء أسعارها، سادت هناك عادة في القرى لحفظها بطرق مختلفة من أجل تخزينها كمونة للشتاء. كان التين والعنب والمشمش والبندورة والحبوب والبرغل تجفف على السطح، كما كان الخشب يجفف أيضًا من أجل استخدامه للتدفئة. أما أبرز الصناعات التي كانت تجرى على تلك الأسطح فهي صناعة الكشك، الذي هو البرغل المنقوع باللبن. وكان طقس صناعة الكشك مسألة مضنية تتعاون فيها نساء القرية وكنّ في ذلك يطلبن مساعدة الصبايا والشباب غير المرتبطين في القرية، وذلك لإعطائهم فرصة للتعرف على بعضهم البعض.
وكان لهذا السطح الشهير سلَّم يؤدي إليه، ولكن كان في هذا السلم هناك أمر لافت وهو أن درجاته لا تبدأ من الأرض ولكنها تعلو عنها قليلاً، وبذلك لا يمكن استخدامه من دون الاستعانة بسلم خشبي آخر. ويعود السبب في ذلك إلى منع الأطفال والحيوانات من الوصول إلى السطح والعبث بما يحتويه من أطايب ومونة الشتاء.
ولأن أهل القرى في مناطق لبنان الجبلية كانوا يعتقدون بأن المنزل الذي يفتح أبوابه للضيوف والزوار هو بيت تحلّ فيه «البركة»، كانت بيوت الأشخاص الأكثر ثراء تحتوي على «الليوان» أو «الإيوان» الذي كان من الجوانب الأساس في الهندسة الفارسية. والإيوان هو عبارة عن مساحة شبه مغلقة مع مدخل مقنطر كبير يربط غرفتين سكنيتين ببعضهما البعض. وكان الليوان هو المساحة التي تجتمع فيها العائلة والأصدقاء.
لاشك في أن المنزل القروي اللبناني تطوّر وتغيّر ولكنه في جميع أشكاله الماضية والحاضرة حافظ على احتفائه بالطبيعة واحتضانه لها، كما حاول المحافظة على عادات وتقاليد دخلت في صلب بنائه، لأن في المحافظة عليها كان يغني حياة ساكنيه ويشكّل مصدر إلهام لهم.
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا

قصة وعبرة: تعلموا من الغرب درسًا

قصة دينية: دودة تتحدى عالِمًا إنكليزيًا

قصة للأطفال: معركة بين الحصان والأسد

الأهرامات.. من بناها؟ كيف تم بناؤها؟ ومن أين أحجارها؟

قصة غريبة: الجمال المزيّف

قصة دينية: العالِم الفلكي وصديقه الملحد

للمزيد








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق