اِحتِلال
فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، أَضْنَى الكَلْبَ تَعَبُ النَّهَارِ وَشَقَاءُ السَّعْيِ، فَالْتَفَتَ إِلَى الرَّاحَةِ مُبْتَغِيًا هَنَاءَ القَيْلُولَةِ، فَإِذَا بِهِ يَرْمُقُ مِذْوَدَ الثَّوْرِ بِعَيْنٍ طَامِعَةٍ، وَيَرْتَئِي أَنْ يَجْعَلَهُ فِرَاشًا دَافِئًا. فَمَا إِنْ دَخَلَ المِذْوَدَ حَتَّى ارْتَمَى عَلَى التِّبْنِ الهَنِيءِ، يَفْتَرِشُ دِفْءَ الشَّمْسِ المُتَسَلِّلَةِ إِلَيْهِ، مُسْتَأْنِسًا بِسَكِينَةِ المَكَانِ وَمُبْتَعِدًا عَنْ ضَجِيجِ العَالَمِ الخَارِجِيِّ.
غَيْرَ
أَنَّ الزَّمَنَ لَمْ يَكُنْ لِيُطِيلَ عَلَيْهِ بُرْهَةً مِنَ الوَقْتِ حَتَّى
عَادَ الثَّوْرُ مِنْ كَدِّ النَّهَارِ وَجَهْدِ الظَّهِيرَةِ، تَتَثَاقَلُ
خُطُوَاتُهُ وَتَتَلَهَّفُ نَفْسُهُ إِلَى مَا يَسُدُّ بِهِ جُوعَهُ. اقْتَرَبَ
مِنَ المِذْوَدِ، عَيْنُهُ عَلَى التِّبْنِ الَّذِي هُوَ قُوتُهُ وَرَاحَتُهُ،
فَإِذَا بِهِ يُفَاجَأُ بِالكَلْبِ نَائِمًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، مُغْتَصِبًا
مَكَانًا لَيْسَ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ.
وَمَا
إِنْ هَمَّ الثَّوْرُ بِأَخْذِ نَصِيبِهِ مِنَ التِّبْنِ، حَتَّى انْتَفَضَ
الكَلْبُ بِغَضَبٍ جَامِحٍ، وَارْتَفَعَتْ حِدَّةُ نُبَاحِهِ، كَأَنَّمَا يُرِيدُ
أَنْ يُعْلِنَ أَنَّ المِذْوَدَ مِلْكُهُ وَحْدَهُ. فَكُلَّمَا اقْتَرَبَ
الثَّوْرُ مِنْ غِذَائِهِ، انْبَرَى الكَلْبُ يَتَقَدَّمُ نَحْوَهُ كَشَرِسٍ
مُزَمْجِرٍ، مُهَدِّدًا بِأَنَّهُ سَيَعَضُّهُ إِنْ هُوَ دَنَا مِنَ التِّبْنِ
قَيْدَ أُنْمُلَةٍ.
أَمَامَ
هَذَا الغَضَبِ الأَعْمَى، لَمْ يَجِدِ الثَّوْرُ بُدًّا إِلَّا أَنْ يَنْصَرِفَ
بِحَسْرَةٍ تَكَادُ تَنْطِقُ بِعَجْزِهِ، وَأَخَذَ يُغَمْغِمُ لِنَفْسِهِ بِقَوْلٍ
فِيهِ مِنَ الحِكْمَةِ مَا يَعْكِسُ حَالَ الكَثِيرِ مِنَ البَشَرِ: "مَا
أَعْجَبَ شَأْنَهُمْ! يَنْفِسُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مَا لَا يَمْلِكُونَ هُمْ
أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، وَيَحْسُدُونَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُونَ
هُمْ عَلَى التَّمَتُّعِ بِهِ."
هَكَذَا
انْتَهَتِ القِصَّةُ؛ كَلْبٌ لَمْ يَأْكُلِ التِّبْنَ وَلَمْ يَدَعْ صَاحِبَهُ
يَأْكُلُهُ، وَثَوْرٌ عَادَ خَالِيَ الوِفَاضِ، لَيْسَ لَهُ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ،
تَارِكًا خَلْفَهُ دَرْسًا فِي الغَيْرَةِ وَالحَسَدِ، وَكَأَنَّمَا الدُّنْيَا
دَارٌ لِلِابْتِلَاءِ، لَيْسَ لِلْمَرْءِ فِيهَا إِلَّا مَا كَتَبَهُ لَهُ
القَدَرُ، رَغْمَ مُحَاوَلَاتِ المَنْعِ وَالتَّشَبُّثِ بِمَا لَيْسَ لَهُ.
قصة وحكمة: أرنب بري من أجل الشبل
قصة وحكمة: الثعلب وهيبة ملك الغاب
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق