حكايات جدي
كان جدي يسكن وحيدًا في قريته البعيدة عن مدينتنا. لكننا، أحفاده من أبنائه وبناته، كنا نزوره بلا انقطاع. فالأحفاد الكبار يزورونه في الصيف أسبوعاً أو أسبوعين، والصغار يمضون عنده شهراً أو شهرين. أما أنا فقد اعتدت أن أقضي عنده إجازة نصف العام، بالإضافة لإجازات الأعياد وبالطبع الإجازات الصيفية المطولة.
أصحو
مبكرًا عندما أكون في القرية، الطيور كأنها تناديني، وبخاصة الديك العجوز ذو
الألوان السوداء والحمراء. فضلاً عن زقزقة العصافير، وصوت طلمبات المياه في الحقل
المجاور، التي تُشَغَّلُ بالبنزين ويصدر عنها صوتٌ عالٍ جداً.
وما
أن أخرجُ من غرفة نومي وآتي إلى غرفة جدي، حتى ألقاه في انتظاري، وقد أَعَدَّ لي
مأدبة حافلة، بدأ بإعدادها منذ الفجر، وبعد أن يصلي، هكذا كنت أقول لنفسي وأنا
أشاهد الأصناف الكثيرة، وكلها كما يقول جدي، من خيرات الأرض: ثم ننهي الوجبة
بكوبين، لي الحليب الساخن، ولجدي الشاي الذي يشربه كثيرًا، وأحياناً من دون سكر!!
وقد
اعتدتُ أن أرى جدي بمعطفه الصوفي الذي لم أكن أستطيع تحريكه منذ عامين، حين كان
يخلعه وهو ذاهب للوضوء والصلاة. وكان حين يرتديه، ويسري الدفء في جسده ويبدأ في
شرب الشاي، يسرد لي حكاية وراء الأخرى.
حكاية
عن الديك الهارب. حكاية عن فأر الجرن. حكاية عن عيد الحصاد. حكاية عن شقاوة
الأولاد غير النابهين في المدرسة. حكاية عن الدودة. حكاية وراء حكاية، حكاية
بالبيت، وأخرى أمام البيت . حكاية أحيانا أكون أنا بطلها ويبدأ بقوله: كان هناك
ولد صغير في مثل عمرك تماماً. وهنا أعرف أنه يقصدني. فكل الأولاد لهم عمر مختلف عن
عمري. أولاد عمي وأولاد خالتي. هناك الأكبر والأصغر، ومن يكبرني بيوم ومن أكبره
بخمسة أيام. أما أن يكون ولد في مثل عمري تماماً، فلا شك أنه أنا.
وذات
يوم حكى لي عن ولد في مثل عمري تماما (طبعاً يقصدني) وكان حزيناً لأن قريته جَفَّ
فيها الماء، وكادت المزروعات تهلك، ولكنه تمنى أن يصبح قطرة ماء عملاقة تروي كل
الحقول. وحينها أصبح قطرة ماء، وكان يقيم هذا الولد في بيت جده (ألم أقل لكم أنه
يقصدني؟؟) فأخذه جده وهو يبكي من هذا التحول، لكنه كان يحب القرية كحفيده، ويتمنى
أن تظل خضراء (هذا كلام جدي نفسه) وارتفعت قطرة الماء إلى السماء فأصبحت مطرًا،
وإذا بالمطر يغمر بساتين القرية وحقولها وتظل قريتنا خضراء بإذن الله.
تنتهي
الحكايات عندما يخلع جدي معطفه. وتبدأ حين يلبسه ويجلس على الأريكة الخشبية.
بدأت
أعتقد أن المعطف هو سر هذه الحكايات كلها وأن بداخله جيباً يُخرِجُ منه جدي هذه
الحكايات، ولذلك طلبتُ من جدي أن أَلبسَه قليلاً. ضحك جدي كثيراً، وقال: المعطف
أثقل منك يا حفيدي الغالي!
ساعَدَني
جدي في ارتداء المعطف، ولم تعد تظهر منه سوى قدمي، بل وغاص رأسي داخله تماماً.
ولكن أين جيب الحكايات التي يُخرِجُ جدي الحكايات منه كلما ارتداه.
سألني
جدي عن سبب طلبي، قلت له السِّرَّ فضحك وقال: ليس السبب المعطف، أو النظارة، ولكن
الشعر الأبيض! هذا الشعر الأبيض الذي يدل على تقدمي في العمر، فأنا أحكي لك حكايات
عرفتها طوال العمر كله.
صَدَّقتُ
جدي، ولكنني استغربتُ، فقد جعلني المعطف الذي ارتديته مجرد دقائق أحكي لكم هذه
الحكاية!
أميرة
غريب
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: الأسد ملك الغابة والفأر الصغير
قصة وحكمة: لا تُظهر معاناتك في إنجاز الأمور
قصة للأطفال: الحقيبة التي كبرت
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق