الجمعة، 7 أبريل 2023

• قصة وحكمة: ارهب الآخرين بالمفاجآت (سباسكي و فيشر)


من الأفضل أحياناً أن تخاطر وأن تلعب أكثر النقلات جموحاً ومخالفة للتوقع

في مايو 1972 ظل بطل الشطرنج بوريس سباسكي ينتظر في قلقٍ غريمه بوبي فيشر في ريكيافيك بأيسلندا، وكان مقرراً أن يتنافس الرجلان في نهائي بطولة العالم للشطرنج، لكن فيشر لم يحضر في الوقت المقرر، وتم تأجيل المباراة.

كان فيشر يعترض على القيمة المالية للجائزة وطريقة توزيع المال وظروف إقامة المباريات في أيسلندا، وكان يُلَمِّحُ بأنه قد ينسحب في أي وقت.

حاول سباسكي أن يَتَحَلّى بالصبر، وشعر قادته في روسيا أن فيشر يهينه وطلبوا منه الانسحاب، لكن سباسکي کان يرغب في إقامة المباراة، وكان يعلم أنه يستطيع تدمير فيشر ولن يبعده شيء عن تحقيق أكبر انتصار في حياته. قال سباسكي لأحد رفاقه «قد تضيع كل جهودنا هباءً، لكن ما باليد حيلة، إن جاء فيشر نلعب وإن لم يأت لا نلعب، فالرجل الذي يرغب في الانتحار تكون المبادرة دائماً في يده».

وصل فيشر أخيراً إلى ريكيافيك، لكنه أستمر في الشكوى ولم تعجبه القاعة التي تجرى فيها المباراة وانتقد الإضاءة وأصوات الكاميرات وحتى المقاعد التي كان سيجلس عليها هو وسباسكي، وحينئذ أخذ السوفييت المبادرة وهددوا بسحب رَجُلهم.

نجحت الخدعة: فبعد أسابيع من الانتظار والمفاوضات الطويلة والمستفزة وافق فيشر على اللعب فاستراح الجميع وأولهم سباسكي، ولكن في وقت الافتتاح الرسمي وصل متأخراً جداً وفي يوم بداية أول مباراة في «بطولة القرن» أتي متأخراً مرة أخرى، لكن هذه المرة كان لو تأخر عن وقت معين يخسر تلك المباراة الأولى، وتساءل الناس ماذا يفعل، فهل يتلاعب بمشاعرهم؟ هل هو خائف من سباسكي؟ بدا للجميع أن هذا الشاب القادم من بروكلين لديه حالة رهيبة من الاضطراب العصبي، لكن في الساعة 05:09 ظهر فيشر قبل إلغاء المباراة بدقيقة واحدة.

تعتبر المباراة الأولى في بطولة الشطرنج مصيرية لأنها تحدد إيقاع الشهور التالية وغالباً ما تتميز بصراع بطئ وهادئ يُحَضِّرُ فيها كل طرفٍ نفسه للحرب ويحاول أن يستقرىء استراتيجيات الخصم، لكن كانت هذه المباراة من نوع مختلف فقام فيشر بنقلة سيئة للغاية في مرحلة مبكرة، لعلها الأسوأ في تاريخه، وحين حاصره سباسکي مهدداً بموت الشاه قاتل بشراسة وجهد، لكن بدا للمشاهدين أنه استسلم، لكن فجأة قام بنقلة جريئة جعلت الحضور يهمهم في القاعة. صدمت هذه النقلة سباسكي لكنه استعاد تركيزه واستطاع الفوز بالمباراة. لم يكن أحد يعرف ما الذي يفعله فيشر: هل خسر عامداً؟ هل هو مضطرب أو مجنون کا يرى البعض؟

بعد خسارته للمباراة الأولى أخذت شکوي فيشر تتعالى من القاعة والكاميرات ومن كل شيء، وتَأَخَّرَ من جديد في المباراة الثانية، وهذه المرة كان المنظمون قد فاض بهم، وتَمَّ إعلان خسارة فيشر، وهكذا أصبح مهزوماً بمبارتين مقابل لا شيء، وهو وضعٌ لم ينتصر أحد بعده أبداً في أي بطولة شطرنج.

بدا واضحاً أن فيشر مضطرب، لكن في المباراة الثالثة كما يذكر كل من حضرها كانت نظراته حادّة وهي نظرات أزعجتْ سباسكي، وعلى الرغم من الوضع الحرج الذي وضع نفسه فيه كان يبدو واثقاً، لكنه قام بخطأ فادح كما في المباراة الأولى، لكن هذه المرة كانت حالة الثقة التي كان عليها فيشر قد جعلت سباسكي يتشمم رائحة فَخٍّ، لكنه لم يستطع رغم الشكوك أن يَتَبَيَّنَ طبيعة هذا الفخ، وقبل أن يعرف كان فيشر قد فاجأه بموت الشاه والفوز بالمباراة. الحقيقة أن تكتيكات فيشر غير التقليدية قد أفقدت غريمه توازنه، وفي نهاية المباراة قفز فيشر وخرج بسرعة وقال لرفاقه وهو يعتصر قبضته «إني أَسْحَقُهُ دون رحمة».

في المباراة التالية قام فيشر بنقلات لم يقم بها أبداً من قبل وغريبة عن أسلوبه، وكان سباسکي هذه المرة هو الذي يرتكب الأخطاء الفادحة والحمقاء، وبعد أن خسر المباراة السادسة أجهش في البكاء، وقال أحد أساتذة الشطرنج لاحقاً «بعدها أصبح سباسکي يخشى العودة إلى روسيا». بعد المباراة السادسة أعلن سباسكي أنه يعرف ماذا يحدث، ذلك أن فيشر يُنَوِّمُهُ تنويم مغناطيسياً، وقَرَّرَ أن لا ينظر إلى عين فيشر، لكنه ظل يخسر.

في المباراة الرابعة عشرة جمع سباسکي فريق المنظمين وأعلن أن «هناك محاولات للسيطرة على عقلي» وتساءل إن كان شراب البرتقال الذي يعطى لهم أثناء المباراة يحوي مخدراً، أو أن موادّ كيماوية تُطلَقُ في الجو، وبعدها خاطب الجمهور منها فريق فيشر بأنهم يضعون شيئاً في المقاعد يُشَوِّشُ على عقله. تَنَبَّهَتْ المخابرات الروسية لأن سباسكي كان يُحرج السوفييت بتصرفاته.

تَمَّ أَخْذُ المقاعد وتصويرها بالأشعة، وتَمَّ عَمَلُ تحليلٍ کيماوي ولم يتبين وجود شيء مريب، كان كل ما وجدوه ذبابتين ميتتين في وصلة كهرباء. بدأ سباسكي يعاني من الهلاوس، وحاول إكمال المباراة لكن حالته العقلية كانت تتدهور ولم يستطع الاستمرار. وفي الثاني من سبتمبر انسحب، وعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه لم يتعافَ أبداً من هذه الهزيمة.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: الأرض الذهبية

قصة حرب: إسحق أعداءك

قصة للأطفال: الحطاب الطيب

قصة وحكمة: اتقن فن الغياب

قصة للأطفال: رمضان الطيب

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق