القط الأسود
قبيلة القطط تتباهى دوماً بانتصاراتها المُتلاحقة على قبيلة الفئران، وكان الليل يحمل الكثير من المفاجآت حينما تهجم القطط بمخالبها الحادة وأسنانها القاطعة على جحور الفئران عائدة بالكثير من الغنائم، وكان أغرب ما في قبيلة القطط أنها جميعها لها لونٌ واحد.. اللون الأبيض.
كانت جميع القطط
بيضاء كالسحاب، ولم يكن بينهم سوى قطّ أسود واحد منبوذ من القبيلة، لكونه أسود
اللون، كانوا يعتبرونه أضحوكة المساء.. حينما يقبل الليل ولا تبدو منه سوى عينيه
اللامعتين بينما يختفي جسده في ظلام الليل وهم بلونهم الأبيض يلعبون ويمرحون
ويتركونه وحده حزينًا مهمومًا، كان يحاول أن يختلط بهم لكنهم يطردونه من بينهم،
إلى أن اتفقت قبيلة القطط على طرد هذا القط الأسود خارج القبيلة.
فوجئ القط الأسود بهذا
القرار الظالم، ولكنه حزم أمتعته وحملها على ظهره هائمًا على وجهه لا يدري أين
يذهب في هذا الوقت المتأخر من الليل.. ولم يجد بدّا من أن يقضي الليلة في العراء
تحت شجرة الجميز العجوز.
ظلت الدموع تسيل من
عينيه على هذه المعاملة الجافة من قبيلته.. وأخذ السؤال يعيد نفسه في
أعماقه.. لماذا.. لأنه أسود؟ وماذا في هذا.. إنه لون
مختلف.. هل لأنهم جميعا بيض اللون؟
(لقد شاهدنا ما حدث) تسللت
هذه العبارة إلى أذنيه لتوقظه من سباته العميق فالتفت في دهشة إلى مصدر الصوت،
فوجئ بخمسة فئران يلتفون حوله وهم ينظرون إليه في خوف، ولكن كبيرهم واصل حديثه في
وقار: لقد شاهدنا ما حدث لك، لا تحزن ومرحباً بك ضيفًا عزيزًا على قبيلة الفئران..
ستعيش بيننا تأكل معنا وتشرب معنا وتنام كذلك معنا، ولكن قبل هذا فلنتعاهد على
الانتقام من أعدائك القطط البيضاء التي تتباهى بلونها وتحتقرك لكونك أسود اللون.
أشرقت الشمس وفتح القط
الأسود عينيه ليجد إفطارًا شهيا أَعَدَّته له الفئران وحفلاً كبيرًا لانضمامه إلى
قبيلتها، وبدأ الرقص والعزف احتفالاً بهذا العضو الجديد، شعر القط
الأسود في نفسه بالسعادة على هذا التقدير، وبعد الكثير من اللعب والمرح بدأ أول
اجتماع بين القط الأسود وقبيلة الفئران، وبدأ القط حديثه، قائلاً: أشكركم كثيرًا
على حفاوتكم بي.. لقد جهزتم لي فراشًا وثيرًا وطعامًا شهيًا وأصبحت أشارككم كل شيء
وكأني فرد منكم، بينما أقاربي من القطط البيضاء طردوني وأذلوني لأني أسود اللون..
لهذا سأكون دائمًا صادقًا أمينًا معكم، سنبدأ حربنا ضد القطط.. سأحمي صغاركم من
هجماتهم.. سأوفر لكم طُرُقَ الهرب إذا حاصروكم، سأخبركم كيف يفكرون وكيف يخططون
لاصطيادكم وكيف يهاجمون فريستهم.
ساد الصمت قليلاً قبل
أن يتنحنح كبير الفئران، قائلاً: نحن سعداء بهذا الكلام وسنكون دائمًا أصدقاء
أوفياء لك.
وتم أول اتفاق بين
القط الأسود والفئران على السلام.
مرت أعوام وقبيلة القطط لا
تستطيع اصطياد فأر واحد من قبيلة الفئران بفضل القط الأسود الذي يخطط ويدافع بكل
جسارة عن الفئران حتى حدثت مجاعة في أرض القطط، وبدأت القبيلة تفكر في النزول إلى
الغابة لاصطياد بعض الأرانب البرية بديلاً عن الفئران التي أصبح اصطيادها مستحيلاً.
عَلِمَتْ قبيلة الفئران أن
القطط البيضاء سوف تذهب إلى الغابة صباحًا لاصطياد الأرانب، وعلى الفور تم عقد
اجتماع عاجل بين الفئران والقط الأسود، وهتف كبير الفئران موجها كلامه إلى القط
الأسود: المعلومات لدينا أن جحور القطط البيضاء ستكون خالية إلا من
القطط الوليدة الصغيرة، ولهذا قررنا مهاجمة قبيلة القطط وذبح جميع القطط الصغيرة
التي ليس لها حول ولا قوة، وحينما تعود القطط الكبيرة تعلم أننا نَفَّذنا أكبر
عملية انتقام في التاريخ لشعبنا شعب الفئران، وتكون أنت قد انتقمت لنفسك من القطط
التي طردتك وآذتك لأنك أسود اللون، ما رأيك؟
استغرق القط في تفكير
عميق قبل أن يَتَّخِذَ قراره قائلاً: وأنا معكم.
في الصباح انطلقت الفئران
يتقدمها القط الأسود باتجاه قبيلة القطط البيضاء، لم يكن هناك سوى القطط الوليدة
الصغيرة.
أطلق القط الأسود
شهقة قوية وتراجع خطوتين إلى الخلف بعد أن نظر في أحد جحور القطط الصغيرة ولم يصدق
عينيه، لقد فوجئ بقطط سوداء صغيرة وقطط بيضاء منقطة باللون الأسود، يا إلهي.. أصبح
بالقبيلة قطط سوداء وقطط مموهة باللون الأسود.
وهنا استدار
إلى الفئران هاتفًا: هيا بنا لنعود أدراجنا.
عقد كبير الفئران
حاجبيه في دهشة قائلاً: ألم نتفق على ذبح القطط الصغيرة وكما ترى بنفسك إنها ليس
لها حول ولا قوة و.. قاطعه القط الأسود في هدوء: لقد تغيرت الحال أصبحت هناك قطط
سوداء، وهذا يعني أن الأسود لم يعد كسابق عهده.. لن نفعل هذه الجريمة.
هتفت الفئران جميعها
في ثورة: ومن يستطيع منعنا؟
انتفخت أوداج القط
الأسود وهو يهتف بقوة: أنا.
ولكن الفئران لم
تمهله، بل انقضت على جحور القطط وهنا ارتفعت شوارب القط الأسود وبرزت مخالبه وكشر
عن أنيابه مطلقاً صرخة عظيمة وهو يدافع عن جحور القطط الصغيرة، ولم يشعر بنفسه وهو
ينشب مخالبه في أول فأر ثم يَنقَضُّ على الثاني بأنيابه ثم الثالث فالرابع، ودارت
أكبر معركة بين القط والفئران حتى تكالبت الفئران عليه، وهنا ظهرت قبيلة القطط
عائدة من الغابة وهبت لمساعدة القط الأسود وانْقَضَّتْ على الفئران.
وفى غضون ساعة كانت الفئران
تفترش الأرض ما بين قتيل وجريح، بينما اقترب كبير القطط من القط الأسود قائلاً:
أيها البطل الشجاع.. لقد دافعت عن أبنائنا الصغار في غيابنا، رغم ما فعلناه معك..
أنت من اليوم منا، لك ما لنا وعليك ما علينا.
وكانت ليلة حافلة وموائد عامرة بالفئران التي سقطت في المعركة، وتزوج القط الأسود، وأنجب قطًا أبيض.
إقرأ أيضاً:
قصة إله: ديوسيس ملك الأشوريين هو الأله
قصة وحكمة: ارهب الآخرين بالمفاجآت
قصة وحكمة: لا تقحم إرادتك في قرارات الآخرين
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق