قصة وحكاية: • قصة مثل: ما يوم حليمة بسرّ

الخميس، 2 أكتوبر 2025

• قصة مثل: ما يوم حليمة بسرّ

نوادر العرب

في قديم الزمان، وعلى صفحات التاريخ التي خطّتها السيوف والدماء، اندلعت نار العداوة بين مملكة المناذرة في الحيرة ومملكة الغساسنة في الشام. فما إن جلس المنذر بن ماء السماء على عرش ملكه، حتى اضطرب قلبه شوقاً للثأر لأبيه، فاستلَّ عزيمته، وجمع جموعه، وسار بجيشٍ عرمرمٍ يهزّ الأرض وقعُ سنابكه، ويرسل إلى خصمه الحارث بن جبلة الغساني كتاباً يتوعد فيه: "إني قد أعددت لك الكهول على الفحول."

فما توانى الحارث، بل ردّ بثباتٍ وإباء: "وقد أعددت لك المرد على الجرد."

وتقابل الجيشان في سهلٍ فسيح، والتحمت الصفوف في معركة ضارية، تتناوب فيها الكفّة بين نصرٍ وهزيمة. ولما طال القتال واشتدت الوطأة، لجأ الحارث إلى حيلةٍ تُذكي جذوة الشجاعة في نفوس رجاله. وكانت له ابنة تُدعى حليمة، فاتنة الجمال، عذبة الطلعة، كالحلم الذي تأبى العيون أن تصحو منه. استدعاها أبوها إلى القصر المطلّ على ميدان الحرب، وأعطاها من أطيب الطيب، وأمرها أن تمسح بيديها وجوه الفرسان، فإذا مرّوا بها تضوعت أرواحهم بالمسك، وتوهجت في صدورهم نار الحماسة.

ثم ارتفع صوت الحارث من علٍ، يجلجل في أرجاء الوغى:

"من يأتني برأس المنذر، زففتُ إليه حليمة زوجاً."

فكان النداء كشرارةٍ ألقت وقودها في هشيم النفوس. وتقدم لبيد بن عمرو الغساني إلى أبيه بعزمٍ لا يعرف التردد وقال:

"يا أبت، إمّا أن أقتل ملك الحيرة، وإما أن أُقتل دونه. فأعطني فرسك، فلست أرضى بفرسي."

وفي اليوم التالي، حين عاد أوار الحرب أعنف مما كان، انقضّ لبيد على المنذر كالصقر على فريسته، فضربه ضربةً أخرجته من صهوة جواده، ثم احتزّ رأسه ورفعه عالياً رايةً للنصر. فانهزم جيش المناذرة وارتدّ مدحوراً.

عاد لبيد بالرأس إلى الحارث، فألقاه بين يديه. فوفى الملك بوعده، وقال:

"شأنك بابنة عمك، فقد زوجتكها."

لكن الفارس الشهم ردّ في إباءٍ وعزّة:

"دعوني أواسي قومي بنفسي، ثم أعود."

وعاد إلى ساحة المعركة، حيث أعاد أخو المنذر لملمة صفوف قومه. فقاتل لبيد قتال الأبطال، حتى ارتقى شهيداً في سبيل نصرة قومه. غير أن الغساسنة خرجوا من الواقعة بنصرٍ مؤزر وذكرٍ خالد.

ومنذ ذلك الحين، صار ذلك اليوم يُضرب به المثل، فيقال:

"ما يوم حليمة بسرّ."

أي لا يخفى أثره ولا يُنسى خبره، إذ كان يوماً عظيم الشأن، جلل الحدث، خالد الذكر، لا يشبه سائر الأيام.

فيسبوك: https://www.facebook.com/ali.ramadan.206789

منصة أكس: https://x.com/AliRamadan54

جديدنا كتاب:

100 قصة حب من كل زمان ومكان

إقرأ أيضاً:

قصة وعبرة: فرصة نادرة

قصة وعبرة: حين يخبئ القدر وجهه الآخر

قصة ملهمة: متسوّل على رصيف المحطة

قصة وحكمة: الديك الأحمر والثعلب