الثلاثاء، 31 يناير 2023

• قصة للأطفال: بيت العفاريت


قطٌّ في بيتنا

حين كنت صغيرًا، كنت وأصحابي نَتَجَنَّبُ السيرَ بقرب بيتٍ معينٍ في شارعنا. نسميه «بيت العفاريت» وهو بيتٌ مهجورٌ، أبوابه ونوافذه مغلقةٌ، عليها ترابٌ وعنكبوتٌ. ومحاطٌ بسورٍ حديدي نَمَتْ عليه كتلٌ من نباتات، امتدت إلى جدرانِ البيت، صانعةً تَعرِيشَةً (سقف) كثيفة.

تتداخل فروع التعريشة في فوضى، كانت القطط تتسلل من بين أعشاب السور، داخلةً خارجةً طول النهار. ونرى كتلَ العشب تهتزّ بحركات مفاجئة لدى اندفاع فأرٍ، أو سحلية تشعُّ بألوانها الزرقاء والبرتقالية، وتَمْرقُ مثلَ سهامٍ فوسفوريةٍ صغيرة. كنا نخاف تلك القطط كثيرًا خاصة حين نسمع مواءها وصرخاتها المفاجئة ولا نراها.

حدث أن سقطتْ كرتي فوق السقف، فتسلقتُ السور، ورحتُ أدحرجها نحوي بِعَصا. بينما قلبي يدقُّ بسرعة، فماذا رأيت؟ لم أرَ شيئًا إذ أصابني الدوار فجأة على سماع صوت خفيض من بين النباتات الكثيفة: «ها هو، أسرعوا قبل أن يهرب». وخرج فرع يشبه ساق نبات اللبلاب. أخذ يتلوى في حذر، قبل أن يقفز إلى ياقة القميص ويتعلق بها. ثم التفت إلى رفاقه قائلاً:

- هيا.. اقفز مثلي يا مخلبَ القط، أخبر العنكبوت، وهاتوا معكم عشبة عنب الديب، هيا بسرعة.

في لحظات كانت الأحبالُ الخضراءُ والصفراء والبنية، رفيعةً وسميكةً، ناعمةً ومشوكةً قد لَفَّتْ حول ذراعي وصدري مثل شبكة صياد. بدا لي الأمر حلمًا مفزعًا. بينما كان هناك صوت يخاطبني وهو يلهث «حرك يديك، حركهما بقوة في الهواء». لم أنتبه إلا وأنا واقعٌ على الرصيف، فَجَرَيْتُ ناسيًا أمرَ الكرة. وبعيدًا وقفت أنفضُ الترابُ عن رقبتي وبقايا الأحبال الخضراء والأوراق الذابلة عن صدري. بينما أصحابي البعيدون ينظرون ناحيتي ويضحكون. ثم مر وقتٌ طويلٌ، إلى أن كنت عائدًا ذات يوم بصحبة أختي الكبيرة. خرجت قطة من بين أعشاب السور. قطة أو لعله قط كثيف الشعر. تميزه بقعة من شعر أبيض بين أذنيه. قفز إلى برميل القمامة وجعل ينكش فيه برأسه.

إن هي إلا ثوان حتى قفزَ إلى الرصيف. وأخذ يلفّ حول نفسه في جنون وقد انحشر رأسه في كرتونة. اندفع يضرب الهواء برأسه المخبأ يمينًا وشمالاً بعصبية. ثم عاود الدوران حول نفسه مرات. لم يمكنه أن يتخلص من الكرتونة. فأخذ يقفز في كل اتجاه، ويرتطمُ بسور البيت وعمود النور، ويديرُ ذيله في الهواء مثل مروحة. اتجهت أختي إليه، وبهدوء انحنت على رأسه وحَرَّرته من الكرتونة. وعند هذا الحد كاد قلبي أن ينخلع من مكانه بالذات حين صوب القطّ إليها عينيه واتخذ وضعَ الهجوم بأن ثني ظهره مثل القوس ورفع ذيله، وراح يُصِدرُ من بين أسنانه صوتًا مرعبًا.

بَعد لحظات استدار، وفي لمح البصر كان قد قفز فوق السور واختفى. واصلنا طريق العودة إلى البيت وأنا أمسك بيد أختي. غير أن المفاجأة كانت تنتظرنا عند باب الشقة. وحين أوشكت أن اضغط زر الجرس، كان صوت رقيق لقِطّة تموء في الظلام بين أقدامنا.

كان هو، القط الأسود ذاته، ببقعة الشعر الأبيض فوق رأسه. تَمَطَّى حين رآنا وظل يَتَمَسَّحُ بأرجلنا ويموء في ضعف. انحنت أختي عليه وحملته إلى صدرها قائلة:

- ما رأيك في أن نأخذه معنا. نعتني به ويؤنسنا، إنه قطٌّ طيب .. أخذت تمسح على ظهره.

.. يا له من قط جميل ووفي.

رضا البهات

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة ملهمة: محمد من السنغال يعيش في سويسرا

قصة للأطفال: الأشجار أيضاً تتألم

قصة للأطفال: أول من قرأ بأصابعه

طرق تعليم الطفل عن طريق اللعب

قصة للأطفال: حكاية السمكة وقطعة الخبز

قصة للأطفال: موسيقى الهرمونيكا

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

المصدر: 1

 

 

 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق